ولو أسعدتني القريحة لوصفت هذا المشهد الذي يملأ النفس ألماً ويفجر القلب أسى، منظر زميلنا المعلم الشاب (مصطفى شكري خسرو) الذي كان موعد زفافه اليوم وكان صحيحاً معافى، فرئي اليوم نعشه يمشي إلى المقبرة وعليه غطاء سرير العرس، ووقفت زوجته التي كانت ترقب الزفاف تشهد الدفن.
مثل هذا الموضوع ينشد الأديب ويبتغي، إنه ينشد لحظات الإشراق والتجلي، إذ يحس بأنه خرج من ذاته فدخلتها روح أخرى فطارت به إلى الملأ الأعلى، فأرته ما لا تراه عين ولا تحيط بوصفه لغة بشر، وإنما يصور بإشارات ورموز ترفع قارئيها إلى هذا العالم النوراني العجيب.
* * *
أما المشفقون عليّ الخائفون أن تلوي الحادثات قناتي وتهد ركني فليعلموا أني في أمان، وأن رسالة الأديب أن يطاعن عن الحق ويناضل حتى تعلو كلمته أو يُصرع دونه، ولينظروا أيهما أسيَر في الناس وأشهر: أوَرقة الشهادة الناطقة بفضل صاحبها، أم مجلة يكتب فيها الأديب فيقرؤها مئة ألف؟ وأيهما أقوى وأمتن: أهذا القلم الدقيق أم أرجل الكراسي التي يثبت عليها «أولئك» ويَعلون بها؟ وأيهما أحد وأمضى: أَلِسان البليغ المفوَّه أم ألسنة ببغاوات الليسانس والدكتوراه؟
إن لكل أديب رسالة، فليقوِّنا الله على تأدية الرسالة.