وحزنه وسروره؟ وهل يفيض بهاؤها وكآبتها على من يجاورها ويلقي بنفسه في حضنها؟ أما أنا فأحسب ذلك حديث خرافة، وأعتقد أن الإنسان هو الذي يمنح الطبيعة (وأسألك الإغضاء عن هذه الكلمة، فلستُ أول من استعملها في غير مكانها)، أقول إن الإنسان هو الذي يمنح الطبيعة الحزن والسرور، فيراها ضاحكة مستبشرة إذا كان هو الضاحك المستبشر، ويراها كامدة مظلمة إذا كان مظلم النفس خاثرها. وأكاد أؤمن برأي هذا المجنون الإنكليزي بركلي (ولا تغضبك كلمة المجنون، فلقد عنيت بها العبقري!) ذاك الذي يقول: الدنيا صحيفة بيضاء كصحيفة السينما، لا شيء فيها وإنما تسقط الصور إليها من الصندوق. وما صندوق الحياة إلا رأسي ورأسك ورؤوس إخواننا أعضاء المجمع الأدبي، وإننا قادرون بعون الله الذي جعلنا أدباء (أو أنصاف أدباء، لا بأس) على أن نرى الدنيا على غير ما خلقها الله، ونأخذ كل شيء مقلوباً، ونخترع أشياء ما وُجدت كالحب العذري، ولا أثر لمدلولاتها إلاّ في رؤوسنا الطاهرة وصفحات الكتب.
مالك بُهِتّ ورحت تلحف في السؤال عن هذا المَجْمَع. ألا تسكت لحظة فأحدثك حديثه (١): أنشئ هذا المجمع -يا صديقي- من السيد منير العجلاني «سكرتيراً»(أو ناموساً إذا اخترت الكلمة العربية) والسيد محمد الجيرودي «خازناً» والسيد أنور العطار والسيد ميشيل عفلق والسيد سعيد الأفغاني والسيد أنا «أعضاء
(١) تجدون عن المجمع حديثاً مفصلاً في الحلقة ٦٦ من «الذكريات»، في أول الجزء الثالث (مجاهد).