لقد ضاع النصف الذي فيه قلبي، فمَن هي التي يخفق قلبي في صدرها؟
من هي التي تنظر بعيني، وتسمع بأذني؟
من هي التي لم أرَها أبداً، ولا أرى غيرها أبداً؟
شعرت بأن أغاني الشاعر قد سَمَتْ بي إلى عالَم كله خير وجمال، وشعرت بنشوة عجيبة، وعلمت أن ما أنا فيه غاية السعادة ونهاية السمو، وإذا أنا أسمع نغمة موسيقية فاتنة عادت تسمو بي، حتى رأيت ما كنت فيه أرضاً وهذي سماء، فذكرت كلمة فاجنر:«تبدأ الموسيقى حيث ينتهي الشعر».
واختلط علينا الجمال، فصار طاقة واحدة قد اجتمع فيها همس الحب وألحان الموسيقى بعبق الزهر، وأريج العطر بخيوط الأشعة وروعة الألوان، فصرنا نسمع ما يُرى، ونشم ما يُسمع، وصارت الحواس كلها حاسة واحدة ... هي حاسة الجمال!
* * *
وها أنذا أذكر مئات من الذكريات، وأتمثل طلابي كلهم أمامي حتى إني لأمدُّ يدي أصافحهم فلا تقبض يدي إلاّ الهواء، فأرتدّ مذعوراً وأجلس يائساً. لقد غدا هؤلاء الفتيان جزءاً مني لأنهم عاشوا في نفسي ذكريات كما عشت في نفوسهم ذكرى، فنحن مجتمعون ولو نأت بنا الديار!
وها أنذا آلفُ هذا البلد الذي كرهته واجتويته، وأصبر على شظف العيش فيه من أجل هؤلاء الطلاب الذين أحبوني