لما كنت في العراق سنة ١٩٣٦ نُقلت مرة من بغداد إلى البصرة إثر خصومة بيني وبين مفتش دخل على الصف فسمع الدرس، فلما خرجنا «نافق» لي فقال إنه معجب بكتابتي وفضلي، «ونافقت» له فقلت إني مكبِر فضلَه وأدبه (وأنا لم أسمع اسمه من قبل). ثم شرع ينتقد درسي فقلت: ومَن أنت يا هذا؟
وقال لي وقلت له ... وكان مشهداً طريفاً أمام التلاميذ رأوا فيه مثلاً أعلى من «تفاهم» أخوين، وصورة من التهذيب والأخلاق. ثم كتبت عنه مقالة كسرتُ بها ظهره، فاستقال و «طار» إلى بلده ونُقلت أنا -عقوبةً- إلى البصرة.
وصلت البصرة فدخلت المدرسة، فسألت عن صف «البكالوريا» بعد أن نظرت في لوحة البرنامج ورأيت أن الساعة لدرس الأدب، وتوجهت إلى الصف من غير أن أكلّم أحداً أو أعرفه بنفسي.
فلما دنوت من باب الصف وجدت المدرس، وهو كهل بغدادي على أبواب التقاعد، يخطب التلاميذ يودّعهم، وسمعته يوصيهم (كرماً منه) بخَلَفه الأستاذ الطنطاوي ويقول هذا وهذا ويمدحني ... فقلت: إنها مناسبة طيبة لأمدحه أنا أيضاً وأثني عليه. ونسيت أني حاسر الرأس وأني -من الحر- أحمل معطفي على ساعدي وأمشي بالقميص وبالأكمام القصار، فقرعت الباب قرعاً خفيفاً وجئت أدخل. فالتفت إليّ وصاح بي: إيه زمال وين فايت؟ (والزمال الحمار في لغة البغداديين). فنظرت لنفسي: هل أذناي