للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكرَّتْ فصول (الفِلم) تتتالى، فرأيتني غدوت صديقه وغدا صديقي، يبثّني شَكاته وأبثه شَكاتي، ويجد في حياتي مشابه من حياته وأجد في حياته مشابه من حياتي، قد ألّف بيننا الأدب وألّف بيننا اليتم، وأننا كنا مستورين، على حالة هي فوق الفقر ودون الغنى ... حتى كأنني هو وكأنه أنا.

وصار يُسمعني شعره، فأجد بواكير شاعر متمكن لا محاولات طالب مبتدئ، وأجد في هذه «البواكير» قوة في التعبير وجِدَّة في التفكير، وأبياتاً سائرة وصوراً رائعة، فهو يقول في الدموع:

عَجَبي من لغةٍ غامضة ... تُطرِبُ الناسَ على شتّى لُغاها

وهو بيت نبيل في مبناه وفي معناه. ويقول في وصف العمر (عمر البائس):

والعمرُ يَحكي مُستغيثاً عَلا ... أنينُه ثم تولّى صداه

وطفق أنور يرسل قطع الشعر، شعر القلب، تتراً (١). يستقيه


(١) ليس في كتابة هذه الكلمة خطأ؛ إذ هي تُكتب هكذا (بالألف الممدودة) و «تترى» بالمقصورة. ولطالما نبّه جدي -في أحاديثه وكتاباته- إلى أن هذه الكلمة اسم وليست فعلاً. والحقيقة أن الناس معذورون إذ يحسبونها فعلاً (وأنا كنت من هؤلاء دهراً) لشبهة الوزن، يحسبونها من وزن «تَفْعَلُ»، ولو علموا أنها من وزن «فَعْلى» لانتفى اللَّبْس وظهر المعنى؛ فقولنا: جاؤوا تَتْرى؛ أي: متواترين (متتابعين وبينهم فجوات وفترات)، أصلها «وَتْرَى»، واللغتان فيها صحيحتان: بالتنوين وبتركه، ففي قوله تعالى {ثُمّ أرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرَى} قرأ أبو عمرو وابن كثير: {تترىً} منوَّنة (ووقفاً بالألف) وقرأ سائر القرّاء:=

<<  <   >  >>