للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

نفسي: رأيتني في الصفوف الأوائل من الثانوية وحولي رفقة ما رأيت بعدهم مثلهم في إقبالهم على الدرس وجلدهم عليه، وفي رسوخ ملكاتهم الأدبية وقوة طبعهم في الأدب وسليقتهم في اللغة، وتسابقهم إلى مطالعة نفائس المصنفات ومعرفة المصادر والأمهات (١). ولم يكونوا كشباب اليوم الذين يحاولون الكتابة قبل القراءة، ويغترون بالنشر فيحسبون أنهم أنداد وأقران لكل من يكتب في الصحيفة التي تنشر لهم، ويعلن أحدهم عن كتابه الذي سيصدره قبل أن يكتب منه عشر صفحات، وينتقد الكاتب الكبير وهو لا يحسن أن يقيم لسانه في قراءة مقالة من مقالاته، ويخدع المجلة عن أدبه فتظنه شيئاً فتخدع به القراء، وما لم أذكر من صفاتهم آلم وأنكى.

وكنت قد قرأت طائفة من الكتب أذكر أن منها «حياة الحيوان» للدميري، وهو أول ما طالعت من الكتب، وهو دائرة معارف (كما يسمونها اليوم) أو هو مُعْلَم (٢) جامع فيه فقه ولغة وأدب وقصص وتاريخ وخرافات وعلم وحقائق، أفدت منه كثيراً. و «الصاحبي» لأحمد بن فارس، وقد ألقى في نفسي إجلال العربية والإيمان بسعتها وجلالها، وحبب إليّ جزالة الأسلوب وفحولة اللفظ، ولا أزال إلى اليوم أعجب برسالة ابن فارس هذا إلى من أنكر فضل الجديد لأنه جديد ومال إلى تقديس كل قديم لأنه قديم،


(١) والأجود في مثل هذا الموضع «الأمَّات» وفي الوالدات الحقيقيات «الأمهات».
(٢) «مُعْلَم» على وزن مُعْجَم خيرٌ عندي من مَعْلَمة التي سمّوا بها الإنسكلوبديا.

<<  <   >  >>