وكيف أجمع في مقالة واحدة ما تفرق من قلبي في جنّات دمشق وقد علّمت في كل مدرسة فيها، وفي «الحرش» الفتّان من بيروت حيث الكلية الشرعية، وعلى الشاطئ الوادع من دجلة حيث الثانوية المركزية، وفي طريق الأُبلّة إحدى متنزهات الدنيا الأربعة حيث الثانوية البصرية، وعلى سِيف الفضاء الأرحب من كركوك بلد الذهب الأسود الذي يشتعل أبداً، وعلى ضفة الفرات الجميل في دير الزور، البلد الكريم أهله ... وحيث أذكر ولا أذكر؟
إنها لتخطر على قلبي -الساعةَ- آلافٌ من الصور التي مرت من قبل على عينيّ، بل إني لأبصر الآن الآلاف من وجوه زملائي في التعليم وتلاميذي الذين أحببتهم، تنبعث من ظلام الذكريات ثم تطيف بي محيّية باسمة تتلو عليّ قصة نفسي، وتعيد إليّ ما مضى من عمري، فكيف إلى الاجتماع بهؤلاء الأصدقاء لأودعهم قبل أن يتجدد الفراق، ولأحدث بهم عهداً؟ كيف وقد تفرقوا تحت كل نجم؟! كيف وقد علا منهم مَن علا وهبط مَن هبط، وشغلتهم شواغل الحياة فلم يعودوا يذكرون معلّماً ولو لم ينسَهم ذلك المعلم! كيف ومنهم الوفي ومنهم الجاحد والناس معادن ...
يا رحمة الله للمعلمين، لمن كان له منهم قلب! وسلام على أيامي التي صرّمتها معلماً ... وعلى كل من يقرأ هذا الفصل من زملائي وتلاميذي، ولهم مني أوفى حبي، وتحيات قلبي.