قصة عنتر وحمزة البهلوان، نتلقى منهما ما ينقصنا من علم الكر والفر والمبارزة والقتال وأن نمكر بالمدرسين، وإن أممنا لهواً وأردناه فشهود خيال الظل (كراكوز)، وهو سينما تلك الأيام، ولا يراه منا إلا مقدوح في خلقه. أما التأنق والتجمل والترقق فلم نكن ندري منه شيئاً، وكان من العيب في أيامنا لبس البذلات لما تصور من أعضاء الجسم، فكنا نجيء إلى المدرسة بالقنابيز (الجلابيب)، وكنا نتعجل الشباب فنتخذ دواء (كان معروفاً) يطول به الشارب وينمو به قبل الأوان.
فأين أيامنا في هذه المدرسة، وهل تعود هذه الأيام؟ أين ذلك الشيخ الحبيب إلى كل نفس الجليل في كل عين، شيخ الشام ومعلمها ستين عاماً ... ستين عاماً وهو دائب على علمه العظيم يأخذ من هذه الأمة أطفالاً صغاراً فيردهم إليها شباباً متعلمين، يصب من عقله الذي يزيد على البذل في أدمغتهم، ومن إيمانه في صدورهم، فتعلم منه الولد وأبوه وجده. إي والله، هذه سجلات مدرسته فسلوها تنبئكم. ذلك هو الإمام الشيخ عيد السفرجلاني (١).
* * *
هذه هي المدرسة! هذا البنيان فأين السكان؟ أين رفاقي فيها؟ أين من كان يجمعهم مقعد واحد وكانوا سواء في كل شيء لا يَميز أحد منهم على أحد إلا بمقدار ما ينجح في درس أو ينال ثناء من أستاذ؟ وكان فلان الفقير عريف الصف والمقدَّم في التلاميذ،
(١) انظر قصة «نهاية الشيخ» في كتاب «قصص من الحياة» لعلي الطنطاوي (مجاهد).