للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مخلوقٌ من أصغر مخلوقات الله لا تراه لهوانه العين، يعيش الملايين منه في قطرة ماء، مخلوق واحد من أضعف المخلوقات يلقي الإنسان محطوماً، ويطيِّر هذه الأفكار كلها من رأسه حتى يعود ذليلاً خانعاً ... فكيف -ويحك- لو أصابك الله بعذاب من عنده؟ يا للأحمق المغرور!

* * *

أصبحت فإذا أنا قد نسيت أفكار الأمس ونسيت الأمس كله، وأحسست بالبعد عن الدنيا التي آلفها وأحبها. ولقد انقطعنا مرة في قلب جزيرة العرب، وتهنا في رمالها الموحشة سبعة عشر يوماً نسير وراء حدود العالم مع الوحش والآكام والشمس والعطش والموت، فما أحسست بأني بعيد عن الدنيا ولا بلغ بي ذلك كله ما بلغ بي هذا المرض القصير ... لقد أصبحت بلا ماض ولا مستقبل ولا حاضر إلاّ هذا الحاضر الضيق الأليم الذي يستقر في بطني حيث «الزائدة» الملتهبة، وفي خاصرتي حيث الرمل في الكلية. اصطلحت عليّ العلل واجتمعت المتناقضات، فالالتهاب لا يطفئه إلاّ كيس الثلج، ونوبة الرمل لا يصلحها إلاّ الماء الحار، فإن داويت هذه زدت تلك، وإن عالجت تلك انتقضت هذه!

* * *

أنساني المرض كل شيء، حتى ما أذكر أني كنت يوماً من الأيام أمشي وآكل وأشرب وأقرأ وأكتب وأمارس أنواعاً من الرياضة، ولا أذكر أني كنت أستطيع التفكير في آلاف المسائل وأعالج المئات من الأمور، وماتت الدنيا في عيني وأصبح

<<  <   >  >>