للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بي اليوم يُدار بي من الرثاء له والخوف مما هو فيه، فلما غدوت مريضاً لم أجزع ولم أخف، وكانت تمرّ بي لحظات أضيق فيها بهذا القيد إلى السرير وهذا الألم، ويبلغ بي الضيق في الليل أقصاه، ولكنها كانت تمر بي لحظات كنت أرضى فيها كل الرضا، وأفيء فيها إلى ربي، وأرى ما أنا فيه امتحاناً لصبري ونعمة من الله تزيد في أجري، فأطمئنّ ويبلغ بي الأمر إلى أكثر من الاطمئنان ... إلى نوع من اللذة الخالصة لا أشعر بمثلها في الصحة، وإلى لون من النشاط القلبي لا أعرفه قط وأنا معافى. وأحسب أن لو أُصبت بأشد الأمراض وأقواها وأنا أقدر على هذا الرضا وأحس هذا الاطمئنان لما وجدت فيه إلاّ لذة!

هذا ما كنت أجده لا أبالغ ولا أتخيل، فأرجو أن يصدّقني القراء. وهذه نعمة من نِعَم الله الخفية على الإنسان ومظهرٌ من مظاهر القوة الهائلة التي أعطاه، فلا يحكم الإنسان على المريض أو البائس بظاهره فيشكّ في عدل الله ورحمته، ولكنْ ليدخل إلى الداخل، لعلّ وراء الجدار الخَرِب قصراً عامراً، ولعل خلف الباب الضخم كوخاً خَرِباً، ولعل في هذه الثياب الرثة وهذا الجسم الممزَّق البالي نفساً مشرقة سعيدة وإنساناً كاملاً.

عرفت من المرض أن المساواة التامة هي سنة الله في الحياة. انظروا المرض: هل يعرف غنياً أو فقيراً؟ هل يمتنع منه الملك الجبار رب القصر والحراس؟ وهل تمنع أبوابه وجنده هذا المخلوق التافه الصغير من الدخول؟ سدّ الأبواب وأغلق النوافذ وأقم الجند بالسلاح وعِشْ في صندوق مغلق ... إنه يدخل مع

<<  <   >  >>