مثلهم شهادة (١) وكانت القرائن تقطع بكذبها. والقرائن والأمارات من أسباب الحكم (كما بيّن ذلك ابن قيم المدرسة الجوزية في كتابه الجليل «الطرق الحكمية»)، ولكن لا سبيل لنا إلى الأخذ بها إلاّ أن تنظر وزارة العدل في دمشق في الاقتراح الذي رفعتُه إليها في هذا الموضوع وتتخذه أساساً لإصلاح شامل يخلّص الناس من شهود الزور، الذين صارت لهم جماعات ومراتب وأجور مسعَّرة ودخل فيهم من يعتقد الناظر إليه أنه من الأولياء ويجده مباحثه من العلماء! وهذا شر استطار شرره وعمّ الأنام خبره وشملهم ضرره، فكيف يهدأ بال من يغلب على ظنه أو هو يعلم فساد البيّنة ثم يضطر إلى الحكم بها؟
هذا وقد نجاني الله -بما رُكّب في طبعي من الحدة في الخلق والشدة في الحق- من منغصات القضاء؛ من الوساطات والالتماسات والهدايا والرشوات والولائم والدعوات ... وسلمني من ذلك كله أني لا أعرف في الحق لطفاً ولا مجاملة ولا خجلاً ولا فرقاً، وأرجو دوام ذلك.
أما «علو المنزلة» فلأن لاسم القاضي -دون الحاكم المدني وإن علت رتبته وزادت وظيفته- له في الأسماع رنة إكبار وفي القلوب صورة إعظام، وله هيبة وله جلال، خلع ذلك المجدَ عليه أولئك الأبطالُ نجوم فلك العدل ودَرَاريه الهاديات، أفذاذ الدهر وأبكار الزمان الذين يحق لنا أن نفاخر بهم أمم الإنس
(١) وقد صدر قانون البينات بعد كتابة هذا المقال فجعل للقاضي قبول الشهادة أو ردّها.