الأطول، ثم إني أنسى اسمه إذا فارقته مع أني لا أنسى الوجه ولو رأيته مرة واحدة، ولا أعرف تعليل هذا الأمر.
وأما «ازدياد أعداء» القاضي العادل القائم بإحقاق الحق والموظف النزيه المستقيم فشيء مشاهَد مسلَّم به لا يحتاج إلى بيان. وإذا كان قد رُوي عن أبي ذر أنه قال:«كلمة الحق ما تركت لي صاحباً» وذلك على عهد الصحابة وفي أفضل القرون، فما بالك بعصرنا؟ وماذا يقول القاضي وما قضيةٌ تُعرض عليه إلاّ وفيها اثنان يقضي لأحدهما على الآخر، فمَن قضى عليه جعله عدواً له ما عدا النادر الأندر من الناس الذي يرضى بالحق ولو كان على نفسه. وأكبر المصيبة أنه قد يكون المبطل المقضي عليه أو الشفيع المردودة شفاعته كبيراً في قومه وجيهاً في بلده، فإذا ألزمته ما يلزمه شرعاً أثار عليك الشعب والحكومة وافترى عليك الفِرَى، وأساء فيك رأي رؤسائك فآذوك وضروك وأخروا ترفيعك. والمعروف عند أولي الأمر أن الموظف الصالح هو الذي لا يسخط عليه أحداً ولا يثير مشكلة، ولا يكون ذلك لقاض عادل وموظف نزيه، وإنما يكون لمنافق في جيبه ألف وجه في كل وجه مئة لسان، يقابل كلاًّ بالوجه الذي يحبه ويخاطبه باللسان الذي يرضيه.
وخلاصة القول أن القضاء «حمل ثقيل» وهمٌّ طويل، ولو أن الله أغناني عنه وكتب لي أن أعيش بقلمي ومؤلفاتي، أو لو أني رُزقت مرتبة أهل الورع، لما أقدمت عليه ولآثرت التعليم؛ فهو أسلم. ولكني وقعت، والله لا يكلف نفساً إلاّ وسعها. وإن وسعي وغاية جهدي العزم الصحيح وبالله التوفيق على أن لا أحكم في قضية ما لم أعرف حكم الشرع فيها على مقدار طاقتي فأسير