البحر (وهو كشربة الملح الإنكليزي.) ما يملأ معدته وأنفه ... ثم يخرج! وكان معه شاب تونسي من علماء جامع الزيتونة، لا يمتاز في السباحة عنه إلاّ بأنه أجهل فيها منه، حتى هذا الدرس لم يحضره لأنه لم يكن وُلد، فلما كبر لم يستطع أن يأخذ مثله لأن ذلك «المعلّم» كان قد مات.
وتركا (الحمام) حيث النساء العاريات مضطجعات ومنبطحات، رافعات السوق باديات العورات، وابتغيا مكاناً منعزلاً وراء صخرة مستديرة تطيف به إطافة الجدار، فتجعل من مائه الذي لا يبلغه من ورائها الموج بركةً آمنة ساكنة الماء قريبة القرار لا تغط (١) صبياً، فنزلا فيها. قال:
وأخذت أسبح السباحة التي أعرفها، أرفع رجليّ وأحرك يديّ، فإذا تعبت خرجت أستمتع بالشمس والهواء. وكنت ممتلئاً صحة، أكاد أتوثب من النشاط توثباً، أحسّ كأن الأرض تدفعني عنها دفعاً. وكان الموت بعيداً عن فكري، والموت -أبداً- أبعد شيء في أفكارنا عنا، وإن كان أقرب شيء في حقيقته منا، نتناساه وهو عن أيماننا وشمائلنا، نشيّع الجنائز ونمشي معها ونحن في غفلة عنها نتكلم كلام الدنيا، ونرى مواكب الأموات تمر بنا كل يوم فلا نفكر ولا نعتبر، ولا نقدّر أننا سنموت كما ماتوا ومات من كان أصح منا صحة وكان أشد منا قوة وأكبر سلطاناً وأكثر أعواناً، فما دفعت عنه الموتَ -لمّا جاءه- صحتُه ولا قوته ولا حماه منه سلطانه ولا أعوانه، نعرف بعقولنا أن الموت كأس سيشرب منها