المتعبدين الذي يقومون الليالي الطوال والناس نيام ويناجون ربهم في الأسحار، وما أنا من المتقين الذين يجتنبون المحرمات ... ما أنا إلاّ واحد من الغافلين المذنبين، إي والله، فبِمَ أقدُمُ على الله؟
ونظرت فإذا كل الذي ربحته من عمري لحظات، لحظات كنت أحسّ فيها حلاوة الإيمان وأخلص فيها التوجه إلى الله، تقابلها عشرات من السنين كنت سابحاً فيها في بحار الغفلة تائهاً في بَيداء الغرور، أحسب -من جهلي- أن الأيام ستمتدّ بي، لم أدرِ أن العمر ساعات محدودة وأن ذلك هو رأس مالي كله، فإن أضعته لم يبقَ لي من بعده شيء.
وذكرت حديثاً كنت حفظته في صباي:«اغتنم خمساً قبل خمس: حياتَك قبل موتك، وصحتَك قبل سقمك، وفراغَك قبل شُغلك، وشبابَك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك»(١) وندمت على أنْ لم أكن وضعته في صدر مجلسي واتخذته منهجاً لحياتي، ولكني لم أعرف -مع الأسف- معناه ولم أدرك حقيقته إلاّ عندما انتهت حياتي.
وفكرت فيما كنت أكابد من ألم الطاعة، فإذا الألم قد ذهب وبقي الثواب، ونظرت فيما استمتعت به من لذّة المعصية، فإذا هو قد ذهب وبقي الحساب؛ فندمت على كل لحظة لم أجعلها في طاعة.
(١) قال الألباني: صحيح، رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس، وأحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية عن عمرو بن ميمون مرسَلاً (انظر: صحيح الجامع الصغير للسيوطي ١/ ٢٤٣) (مجاهد).