إن راتبي يكفيني، وقد كنت أتمنى أن يكون لي بيت فصار لي بحمد الله بيت، وأنا لا أدّخر مالاً ولا أريد أن أكون من كبار المثرين، فلماذا الحرص على المال؟ وهل يعدل المال الذي آخذه الراحةَ التي أفقدها والنوم الذي أشتهيه فلا أجده؟
أما ثواب الله فأرجو أن يكون لي من الإخلاص ما أستحقه به أولاً، وأرجو ثانياً أن لا يحرمني الله الثواب إن استرحت حيناً لأجمَّ النفس وأجدد العمل.
لا؛ إن ثواب الله هو الحقيقة الواحدة الباقية وما عداه متاع الغرور، خدع نخدع بها أنفسنا وأوهام، قبض الريح! اقبض على الريح تَجِد يدك فارغة لا شيء فيها، وكذلك الدنيا. ما الذي نحمله معنا إن ذهبنا إلاّ العمل الصالح؟ كله سراب إلا ما تقدمه بين يديك لآخرتك.
وبعد، فإنكم -يا سادتي- تسمعون حديث المحدث أو تقرؤون مقالة الكاتب فلا تتصورون ماذا أنفق في ذلك من جهد وما حمل من تعب حتى وصل ذلك إليكم. إنه كرغيف من الخبز تأكلونه بلا فكر فيه أو بحث عن حاله، ولو فكرتم لعلمتم ماذا عملت فيه من يد وما صُبّ فيه من جهد، من يوم حرَثَ الأرضَ الزارعُ إلى أن عجنَ العاجنُ وخبَزَ الخبّاز.
بل إن عمل الأديب في المقالة أشق وبلاءَ الأديب بالأدب أكبر، فسامحوني إذا نفّست اليوم عن نفسي بهذا الحديث، فإنها شكوى: