فهل يعرف أبناء اليوم لآبائهم وأمهاتهم، وهل يعرف تلاميذ اليوم لمعلميهم وأساتذتهم مثل هذا الحق؟
وكانت دروسنا أصعب وبرامجُنا أحفلَ وأملأ، وكنا مع ذلك أكثر منكم إقبالاً عليها، واشتغالاً بها، ونجاحاً فيها، وكنا نقرأ فوقها كثيراً من كتب العلم. ولقد قرأت عشرات من كتب الأدب واللغة والدين وأنا لا أزال في الثانوية. وكنا نؤم مجالس العلماء في المساجد وفي البيوت، فنجمع إلى علم المدرسة علوم الدين وعلوم اللسان، ونحفظ من بليغ القول ونروي من طريف الأخبار الشيء الكثير؛ كنا إذا أردنا التسلية قرأنا قصة عنتر والملك سيف وحمزة البهلوان، وهي كتب أدب وفروسية وبطولة، لا نعرف هذه المجلات ولا هذه القصص ولا هذه الأفلام، ولم يكن في أيامنا بحمد الله شيء من ذلك، ما كان إلا المجلات الدسمة النافعة كالمقتطف والهلال (القديمة)، وما كان في دمشق إلا داران للسينما تُعرض فيهما الأفلام الصامتة السخيفة، ولم يكن في الدنيا سينما ناطقة ولم يكن يدخلها أحد من أهل المروءات.
لقد كان في دمشق ثانوية واحدة، هي مكتب عنبر، ولكن هذه الثانوية الواحدة أخرجت أكثر رجالات الأمة، ولم تكن تمضي سنة لا تقدم فيها كاتباً أو شاعراً أو نابغاً في الطبيعة أو في الرياضيات أو موسيقياً أو مصوّراً أو رياضياً قوي الجسم ... وعندنا اليوم في دمشق أكثر من عشر ثانويات رسمية للطلاب، فأين الأدباء والعلماء ورجال الفن الذين خرجوا منها؟