للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كنا -يا صاحبي- ثلاثة: الأستاذ، أعني أستاذ الجامعة الحلبونية (١) وهو شاب في الثامنة عشرة من عمره، لطيف المعشر، فكه الحديث، تجلس إليه ساعات طويلة فلا تشعر بملل ولا تحس إلاّ الحديث الطلي المفيد.

وأنا ...

والثالث صديق لنا شاعر، وهو بيت القصيد من قصتنا. وأحسبك تفهم من كلمة «شاعر» كثيراً من صفاته وأطواره؛ فهو يرى العالَم كله فكرة بديعة، أو خيالة بارعة، أو صورة فاتنة، ولا يني يحدّثك عن الحب والجمال، والذكرى والأسى ... يأتيك بصُوَر لهوغو ولامارتين الفرنسيَّين، وفِكَر لملتون وبيرون الإنكليزيَّين، وأحاديث لشيلر وكوته الألمانيَّين، وآراء لدانتي ولومبروزو الإيطاليَّين، وحكمٍ لتولستوي الروسي، وفلسفات لطاغور الهندي ... ليس عند واحد من كل هؤلاء علم بها، وما هي إلاّ بنت ساعتها أخرجها رأس الشاعر الشاب!

* * *

كان موعدنا للرحيل دار الشاعر نلتقي فيها في الساعة الثامنة، فأتيناها على الميعاد، فإذا صاحبنا ينظم قصيدة.

حثثناه على الإسراع وألححنا عليه، فأجابنا وأسرع، ولكنه لبس ثيابه في نصف ساعة، وقرأ لنا القصيدة مرتّلاً منغّماً في ساعة،


(١) وقد حقق الله ذلك، فصار اليوم الدكتور حكمة هاشم مدير الجامعة.

<<  <   >  >>