سألت حارس حلبون عن الطريق، فقال: أما السهل البعيد فهذا، وأما الحَزْن (١) القريب فهذا. يدور الطويل مع الوادي ويرقى القصير الجبل.
قلت: نحن ممّن يحب الارتقاء.
قال: إنه مخيف.
قلت: نحن شجعان.
قال: إنكم تملُّون.
قلت: معنا شاعر!
وركبت رأسي عناداً وأبيت إلاّ سلوك طريق الجبل، فأجابني القوم إلى ذلك ... ورضي الحارس، لا أدري أرضي اقتناعاً بحجتي أم ضجراً من كلامي؟!
* * *
أركبنا الشاعر الكريم وسرنا في ركابه، وكان الليل قد علا في الأفق والظلام قد تسرب إلى الكون. وذهبنا نصعد الجبل ... وكلما قلت هذه هي القمة بدت لي من ورائها قمم، حتى كدنا نلامس السماء. وتلفتُّ إلى الوراء، فإذا منين كلها بقدر الدرهم، وإذا هي كأنها في قعر البحر، وإذا أمامنا وعن أيماننا وشمائلنا جبالٌ وبِطاحٌ لا حدَّ لها، وإذا نحن نبلغ موضعاً نشرف منه على غوطة
(١) بسكون الزاي: ضد السهل؛ فهو من الأرض ما شقَّ المشي فيه، ومن الدواب ما صَعُبت رياضته، ومن الناس من خَشُنت معاملته (مجاهد).