إننا صرنا اليوم نلبس «البذلة» بدل «القنباز»، وننام على السرير، ونأكل بالشوكة والسكين، ونقرأ أخبار أمريكا وأوروبا ونتكلم في الجغرافيا والكيمياء وفي السياسة، ونركب السيارة والطيارة، ونسمع الرادَّ ونبصر أفلام السينما ... هذا الذي ربحناه، ولكنّا خسرنا التقى والعفاف والاطمئنان. لقد كان أجدادنا أبعد عن حضارة أوربا، ولكنهم كانوا أرضى لله منا وأقرب إليه، وكانوا أقوم أخلاقاً، وأطهر قلوباً، وأصفى سرائر، وأصدق معاملة، وكانوا أسعد منا في الحياة ...
لا يا سادة؛ إني لم أعد أجد للأعياد بهجة، فردوا إليّ ماضيّ، أرجعوني إلى عيد المقبرة والمسجد فإني لم ألقَ السعادة إلاّ فيه، أنقذوني من هذا العلم وهذه الحضارة، فأنا جامد، أنا رجعي، رجعي، رجعي!!
والعفوَ يا سادة؛ لقد نغّصتُ عليكم بهذا الحديث القاتم المضطرب عيدكم. لقد نسيت قواعد الآداب الاجتماعية فكدرتكم يوم الصفاء، وكنت عندكم فاسد الذوق سيء الاختيار، فلا تؤاخذوني ... وأقبلوا على عيدكم وسروركم، ودعوني أبكي -يوم العيد- ماضيات أيامي.