للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الحكم ينطبق على كل جملتين لا تكون بينهما مناسبة ما كقولك:

«السماء ممطرة عليّ يغدو إلى عمله مبكرا»، وكقول الشاعر:

وإنما المرء بأصغريه ... كل امرئ رهن بما لديه (١)

فبين الجملة الثانية هنا والجملة الأولى تمام التباين ومنتهى الابتعاد، لأنه لا مناسبة بينهما مطلقا، إذ لا رابطة في المعنى بين قوله: «وإنما المرء بأصغريه» وقوله: «كل امرئ رهن بما لديه» ففي جميع هذه الأمثلة والأمثلة التي تختلف فيها الجملتان خبرا وإنشاء نجد الجملة الثانية مفصولة عن الجملة الأولى، ولا سر لذلك إلا كمال التباين

وشدة التباعد، ولذلك يقال في هذا الموضع من مواضع الفصل إن بين الجملتين «كمال الانقطاع».

...

٣ - والموضع الثالث من المواضع التي يجب فيها الفصل بين الجملتين هو أن تكون الجملة الثانية جوابا عن سؤال يفهم من الأولى، ويقال حينئذ إن بين الجملتين «شبه كمال الاتصال».

ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ (٢)، ففي هذه الآية الكريمة فصلت جملة قالُوا لا تَخَفْ عن جملة وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً لأن بينهما شبه كمال الاتصال، إذ الثانية جواب لسؤال يفهم من الأولى، كأن سائلا سأل: فماذا قالوا له حين رأوه قد أحس منهم خوفا؟ فأجيب «قالوا لا تخف».

ومن أمثلة هذا النوع من الفصل أيضا قول الشاعر:

يقولون إني أحمل الضيم عندهم ... أعوذ بربي أن يضام نظيري (٣)


(١) الأصغران: القلب واللسان، ورهن بما لديه: يجازى بما عمل.
(٢) أوجس منهم خيفة: أحس منهم خوفا.
(٣) الضيم: الذل، وضامه يضيمه بفتح ياء المضارعة: أذله يذله.

<<  <   >  >>