للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لمقتضيات البلاغة يحسن توكيد الخبر له إزالة للشك وتمكينا للخبر من نفسه.

وفي الحالة الثالثة قد يكون المخاطب على علم بالخبر ولكنه منكر جاحد له، وعندئذ يجب أن يلقى الخبر مؤكدا بمؤكد أو أكثر تبعا لدرجة إنكاره قوة وضعفا.

على هذا الأساس إذا ألقي الخبر إلى خالي الذهن منه بالصورة التي يجب أن يلقى بها إلى المنكر له، كان في ذلك خروج على مقتضيات البلاغة من جهة وجوب مطابقة الكلام لحال السامع الذي هو أصل من أصول علم المعاني.

كذلك من أصول علم المعاني أن يخاطب كل إنسان على قدر استعداده في الفهم وحظه من اللغة والأدب، فلا يجوز أن يخاطب العامي بما ينبغي أن يخاطب به الأديب. فعكس الأمر هنا بلا داع فيه إخلال بما تتطلبه بلاغة المعنى، لانعدام الملاءمة بين الكلام ومقامه.

ولعل فيما رواه صاحب الأغاني من حديث أحمد بن خلاد عن أبيه ما يوضح بالمثال هذا الأصل القائل بأن البلاغة هي في مخاطبة كل إنسان على قدر استعداده في الفهم وحظه من اللغة والأدب.

«قال أحمد بن خلاد: حدثني أبي قال: قلت لبشار: إنك لتجيء بالشيء الهجين (١) المتفاوت! قال: وما ذاك؟ قال: قلت: بينما تقول شعرا يثير النقع، وتخلع به القلوب، مثل قولك:

إذا ما غضبنا غضبة مضرية ... هتكنا حجاب الشمس أو تمطر الدما

إذا ما أعرنا سيدا من قبيلة ... ذرى منبر صلى علينا وسلما

تقول:

ربابة ربة البيت ... تصب الخل في الزيت

لها عشر دجاجات ... وديك حسن الصوت!


(١) الهجين من القول: ما يلزمك منه العيب.

<<  <   >  >>