للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال بشار: لكلّ وجه وموضع، فالقول الأول جدّ، وهذا قلته في ربابة جاريتي، وأنا لا آكل البيض من السوق، وربابة لها عشر دجاجات وديك، فهي تجمع لي البيض، فهذا عندها من قولي أحسن من «قفا نبك من ذكري حبيب ومنزل» عندك» (١).

وتتمثل مطابقة الكلام لمقتضى الحال أيضا فيما يتصرف فيه القائل من إيجاز وإطناب، حيث لكل من الإيجاز والإطناب مقاماته التي تقتضيها حال السامع ومواطن القول.

فالذكي الذي تكفيه اللمحة أو الإشارة يحسن له الإيجاز، والغبي أو المكابر يجمل عند خطابه الإطناب في القول.

فالبلاغة تقتضي استخدام أسلوب الإيجاز مع الذكي اعتمادا على سرعة فهمه وقدرته على استيعاب ما تحمله الألفاظ القليلة من المعاني الكثيرة، وكذلك الشأن بالنسبة لأسلوب الإطناب، فبلاغته تستلزم الإسهاب بالشرح والإيضاح، إما طلبا لتمكين المخاطب من الفهم إن كان غبيا، وإما لتنزيله منزلة قصار العقول إن كان قد تجاوز الحد في المكابرة والعناد.

وتأييدا لما ذكرنا عن الإيجاز والإطناب نورد هنا كلمتين توضح كل منهما رأي صاحبها في ذلك:

روي عن جعفر بن يحيى أنه قال مع إعجابه بالإيجاز: «متى كان الإيجاز أبلغ كان الإكثار عيّا، ومتى كانت الكناية في موضع الإكثار كان الإيجاز تقصيرا».

وأمر يحيى بن خالد بن برمك اثنين أن يكتبا كتابا في معنى واحد، فأطال أحدهما واختصر الآخر، فقال للمختصر- وقد نظر في كتابه-: ما


(١) كتاب الأغاني: ج ٣ ص: ٦٠.

<<  <   >  >>