قال الشيخ الفقيه الأستاذ العالم أبو القاسم بن أحمد بن جزي وحمه اللَّه تعالى، وجعل الجنة مثواه، آمين:
الحمد للَّه الذي رفع بالعلم درجات أهله، وأجزل ثوابهم على اكتسابه وعلى نقله، كما أنعم عليهم بالتوفيق لدرسه وحمله، وصلوات اللَّه وسلامه على سيدنا محمد خاتم أنبيائه ورسله، الذي هدى كافة الخلق إلى منهاج الحق وسبله، وبالغ في تبليغ الرسالة بقوله وفعله، بذل جهده بين إقامة دين اللَّه وبيان فرعه وأصله، حتى ظهر مصداق قول الملك جل جلاله:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}[التوبة: الآية ٣٣]. ورضي اللَّه عن أهل بيته الطاهرين وأصحابه الأكرمين وحشرنا معهم تحت ظلال عرشه يوم لا ظل غير ظله.
أما بعد:. . .
فإن العلوم على ثلاثة أضرب: علم عقلي، وعلم نقلي، وعلم يأخذ من العقل والنقل بطرف، فلذلك أشرف في الشرف على أعلى شرف، وهو علم أصول الفقه الذي امتزج به المعقول بالمنقول، واشتد على النظر في الدليل والمدلول، وإنه لنعم العون على فهم كتاب اللَّه وسنة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، وناهيك من علم يرتقي الناظر فيه عن حضيض رتبة المقلدين، إلى رفيع درجات المجتهدين، وأقل أحواله أن يعرف وجوه الترجيح فيفرقه بين الراجح والمرجوح، ويميز بين السقيم والصحيح، وإني أحببت أن يضرب ابني محمد -أسعده اللَّه- في هذا العلم بسهمه، فصنفت هذا الكتاب برسمه ورسمته بوسمه، لينشط لدرسه وفهمه، وعولت فيه على الاختصار والتقريب، مع حسن الترتيب والتهذيب، وقسمته إلى خمسة فنون: