ومن ذلك النسخ، وكون الحكم ينتقل من شيء لآخر ذلك لا بد له من حكمة، وهي كثيرة). وقد سبق بيان بعض حكم النسخ عند الكلام على أقسام النسخ باعتبار النص المنسوخ، وذكر الشيخ هنا بعض الحكم الأخرى للنسخ منها:
١ - مراعاة مصالح العباد بتشريع ما هو أنفع لهم في دينهم ودنياهم.
فالله - عز وجل - إذا نسخ حكما دل على أن الناسخ أنفع للعباد، والأول أيضا
كان نافعا ولكنه منفعته كانت مؤقتة، فلما زالت انتقلنا إلى الثاني لمنفعته الدائمة المستمرة.
٢ - التطور في التشريع حتى يبلغ الكمال.
قال الشيخ في "الشرح"(ص/٤٣٢): (أي أن التشريع يتطور حتى يبلغ الكمال، ولهذا لم تجب الصلاة إلا قبل الهجرة بنحو سنة، أو ثلاث سنين، أو خمس، والزكاة وجبت في السنة الثانية، وقيل: إنها وجبت في مكة ولكن في السنة الثانية بينت الأنواع والمقادير ... إلخ، والصوم في السنة الثانية، والحج في السنة التاسعة فكل هذا من أجل أن يتطور التشريع حتى يبلغ الكمال.
وهذا كما أنه مقتضى الحكمة شرعًا، فهو مقتضى الحكمة قدرًا وانظر إلى الإِنسان أول ما يولد فهو صغير وضعيف القوة، ثم يزداد ويتطور حتى يصل إلى درجة الكمال).
٣ - اختبار المكلفين باستعدادهم لقبول التحول من حكم إلى آخر ورضاهم بذلك.
قال في "الشرح"(ص/٤٣٣): (وذلك من أشد ما يكون، فبعض الناس لا يرضى أن تتحول الأحكام أحيانًا كذا وأحيانًا كذا، ولهذا لما حولت القبلة ارتد بعض الناس، كما قال تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ)[البقرة: ١٤٣].
فالمهم أن في النسخ اختبارًا للمكلفين هل يرضون بالأحكام ويتقبلون وإذا قيل لهم هذا حلال فعلوه، وإذا قيل هذا حرام أمسكوا عنه، وإذا قيل هذا واجب التزموا به وقاموا به، وهذا لا شك أنه من أكبر الحكم.
س: فإذا قال قائل: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ)[الأنعام: ٥٣].