للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلا بتفويض الله سبحانه وتعالى الأمر إليه لا أنه بإبلاغه ذلك الحكم؛ لتخصيص هذا التحريم بنسبته إليه، وإلا فكل محرم فهو بتحريم الله سبحانه وتعالى، إما بالتبليغ، وإما

بالتفويض (١).

واستدل له أيضا بما في مسلم (فرض عليكم الحج، فحجوا، فقال رجل: أكل عام؟ فقال: لو قلت: نعم، لوجبت، ولما استطعتم) (٢) ... ).

والصواب أنه - صلى الله عليه وسلم - ليس مُشرِّعاً بل هو مبلغ ومطبق وناقل ومبيِّن للتشريع، وأنه كان يجتهد (٣) فإن اخطأ نزل الوحي بتصويبه (٤)، كما في أسارى بدر (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) [الأنفال: ٦٧] وكما عوتب في ابن أم مكتوم وتحريمه - صلى الله عليه وسلم - العسل ومارية القبطية على نفسه، ولما رجع عن قوله في مسألة التأبير، ونحو ذلك (٥).

الواجب يثاب فاعله امتثالًا، ويستحق العقاب تاركه.

امتثالًا أي يفعله على وجه الطاعة والقربة، فمن نوى التبرد فغسل أعضاء الوضوء لا يعد متوضئا وهكذا.

وأما قولنا (ويستحق) فهو أولى من قول: (ويعاقب تاركه)؛ لأنه من الجائز أن الله


(١) قال المرداوي في "التحبير" (٨/ ٣٩٩٨): (رد: محتمل وللمفسرين قولان، هل باجتهاد، أو بإذن الله تعالى. قال البرماوي: " قلت: وعلى كل حال فالمحرم هو الله تعالى، فالاحتمال قائم ولا دليل فيه لذلك ").
(٢) قال ابن مفلح في "أصوله" (٤/ ١٥٢٣): (رد: يجوز أن الله خيره في ذلك بعينه. ويجوز أن قوله- عليه السلام- بوحي).
(٣) ذكر الشيخ عبد الجليل بو النصر في رسالته" اجتهاد النبي - صلى الله عليه وسلم - " أمثلة كثيرة وشواهد تدل على ما وقع من النبي - صلى الله عليه وسلم - من اجتهاد سواء بالقول أم بالفعل أم بإقراره الصحابة أم بعدم إقرارهم، وذلك في شتى الأمور الدينية والدنيوية.
(٤) قال ابن مفلح في "أصوله" (٤/ ١٥٢٥): (لا يقر عليه السلام على خطأ في اجتهاده إجماعا).
(٥) انظر: التمهيد (٤/ ٣٧٣)، أصول ابن مفلح (٤/ ١٥٢٠)، التحبير (٨/ ٣٩٩٥)، جمع الجوامع (٢/ ٣٩١ - البناني)، البحر المحيط (٤/ ٣٥٤)، الإبهاج (٣/ ١٩٦)، تيسير التحرير (٤/ ٢٣٦)، رفع الحاجب (٤/ ٥٦٧) روح المعاني (١٨/ ٢٢٤)، أفعال الرسول للأشقر (١/ ١٢٦).

<<  <   >  >>