قال المرداوي في "التحبير"(١/ ٢٨٠): (قد سبق أن أصول الفقه يستمد من اللغة، وذلك لما كان الاستدلال من الكتاب والسنة اللذين هما أصل الإجماع بل وأصل القياس محتاجاً إلى معرفة اللغة - التي لا تعرف دلالتهما إلا بمعرفتها؛ لأنهما عربيان، وفهم معانيهما متوقف على معرفة لغة العرب، بل هما أفصح الكلام العربي - احتيج إلى معرفتها. قال الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا)[يوسف: ٢]، (وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)[النحل: ١٠٣]، (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ)[إبراهيم: ٤]، وغير ذلك من الآيات).
قال الجويني في "البرهان في أصول الفقه"(١/ ٧٨): (ومن مواد أصول الفقه العربية فإنه يتعلق طرف صالح منه بالكلام على مقتضى الألفاظ ولن يكون المرء على ثقة من هذا الطرف حتى يكون محققا مستقلا باللغة والعربية).
وعليه فالاستدلال بالكتاب والسنة مبني على معرفة طرق العرب في الإفهام والفهم، ومن جملة أصول الفقه طرق دلالة الألفاظ على المعاني من عموم وخصوص، وإطلاق وتقييد، واشتراك وإجمال، ومنطوق ومفهوم، وحقيقة ومجاز، وهذه كلها إنما يتبع فيها ما جرى عليه عرف أهل اللغة الذين نزل القرآن بلغتهم وتكلم الرسول صلى الله عليه وسلم بها.
[تعريف الكلام عند النحويين]
الكلام عند النحويين هو:(اللفظ المركب المفيد بالوضع)(١).
اختلفت اصطلاحات اللغويين والنحويين في تعريف الكلام، فهو عند اللغويين يشمل المفيد وغير المفيد بخلاف النحويين فلا يدخل عندهم فيه غير المفيد.
قولنا:(اللفظ) خرج به الإشارة، ولو أفادت معنى فلا تسمى كلامًا، والكتابة لو أفادت معنى لا تسمى كلامًا.
(١) ذكر هذا التعريف ابن آجروم في "متن الآجرومية"، ونسبه الطوفي في شرح مختصر الروضة (١/ ٥٤٨) لابن معطي في الفصول وغيره.