للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحق، وإذا علم ما عنده ذهب إلى العالم الثاني وسأل وقال: ماذا تقول في كذا وكذا؟ قال: أقول كذا وكذا. قال: لكن فلان يقول: كذا وكذا، فما قصده؟! أي أنه يضرب رأي العالم الثاني برأي العالم الأول. وقد يريد أن يتبجح في المجالس يقول: أنا سألت فلانًا وقال: هذا حرام، وسألت فلانًا وقال: هذا حلال. ثم يضرب آراء العلماء بعضها ببعض).

[ما يلزم المستفتي]

عند اختلاف المفتين، وتعارض الفتاوى فللعلماء أقوال فيما يلزم المستفتي:

أحدها: يأخذ بأغلظهما، والثاني: بأخفهما، والثالث: يجتهد في الأولى فيأخذ بفتوى الأعلم الأورع، والرابع: يسأل مفتياً آخر فيأخذ بفتوى من وافقه، والخامس: يتخير فيأخذ بقول أيهما شاء (١).

وقال الشيخ عياض السلمي في "أصوله" (ص/٤٨٦): (يجوزُ للعاميّ أنْ يسألَ مَن شاء من المفتين، وله أنْ يسألَ المفضولَ مع وجود الفاضل، عند أكثر العلماء.

واستدلُّوا على ذلك: بالإجماع؛ أخذاً مما عليه الحالُ وقتَ الصحابة والتابعين، فإن العوامَّ كانوا يسألون المفضولَ فيُفتيهم، ولا يأمرُهم بسؤال الفاضل.

ولم يُعهدْ عن أحدٍ من الصحابة أنه كان لا يُفتي مع وجود الأفضل منه في البلدة، وقد أفتى ابنُ عباسٍ وابنُ عمر في حياة الخلفاء الأربعة، رضي الله عنهم أجمعين.

الواجب على المستفتي إذا تعارضت الفتاوى: أنْ يأخذَ بفتوى الأعلم من المفتين، فإنْ تساووا أخذَ بقول الأتقى والأورع، فإنْ جهل الأعلمَ أو الأورعَ سأل العارفين بهم عن ذلك، ثم أخذ بمَن يغلب على ظنه أنه الأعلمُ أو الأتقى.

والدليل على صحّته: أن فتوى العالم عند العاميّ كالدليل عند المجتهد، وإذا تعارضت الأدلّةُ عند المجتهد وجب عليه طلبُ الترجيح، فكذلك العاميّ إذا تعارضتْ عنده الفتاوى).


(١) انظر: آداب الفتوى والمفتي والمستفتي (ص/٤٧)، التمهيد (٤/ ٤٠٣)، المسودة (ص/٤١١)، مجموع الفتاوي لابن تيمية (٣٣/ ١٦٨)، صفة الفتوى (ص/٨٠)، إعلام الموقعين (٤/ ٢٦٤)، الإحكام للآمدي (٤/ ٢٤٣)، آداب الفتوى للنووي (ص/٧٧)، التقليد وأحكامه للشثري، وقدتوسع في عرض القوال وأدلتها ومناقشتها (ص/١٦٢).

<<  <   >  >>