للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما إبراء عيسى - عليه السلام - الأكمهَ والأبرصَ قيل المراد بالأكمه: الذي خلق لا نظر له (١) , والأبرص: الذي قد أُيس من بُرئه , ولا ريب في أن ذلك معجز عظيم وخطْب جسيم وليس ذلك بأعجب من إحياء الموتى وهو شئ قد أُعْطِيَهُ عيسى عليه الصلاة والسلام إكراماً له وإظهاراً لمعجزته وزيادة في إقامة برهانه ولكن لنبيّنا - صلى الله عليه وسلم - أعظم منه من إحياء الموتى كما ذكرنا وكما سيأتي , ومن إبراء الأدواء التي لا يمكن تلافيها بالأدوية المقدورة للبشر مما هو مُدَوَّن في كتب الحديث والسِّيَر وغيرها , فمن ذلك مسحه وتفلُه ولمسه على أدواء تبرأ في الحال كائنةً ما كانت , فإنه تَفَل في عين علي - رضي الله عنه - وهو أرمد فبرأ في الحال وما اشتكاهما بعد ذلك (٢) , ولقد كان - صلى الله عليه وسلم - يُؤتى بالمَرْضى والمُصابين فيَدعو [الله] (٣) لهم ويمسحهم فيردّون أصحّاء , وأتي بصبيّ يأخذه الشيطان فقال: «اخسأ (٤) عدوّ الله أنا رسول الله» فثَعَّ ثَعَّةً (٥) فخرج منه [ق ٣٠/ظ] كالجرو الأسود (٦)؛ وعاد مريضاً كان قد صار مثل الفرخ المنتوف فدعا له فكأنّما نُشِط من عقال (٧)؛ وله - صلى الله عليه وسلم - في


(١) قال ابن الجوزي في زاد المسير (١/ ٣٩٢): "في الأكمه أربعة أقوال: أحدها: أنه الذي يولد أعمى رواه الضحاك عن ابن عباس , وسعيد عن قتادة , وبه قال اليزيدي وابن قتيبة والزجاج؛ والثاني: أنه الأعمى ذكره ابن جريج عن ابن عباس , ومعمر عن قتادة , وبه قال الحسن والسدي؛ وحكى الزجاج عن الخليل أن الأكمه: هو الذي يولد أعمى وهو الذي يعمى , وإن كان بصيراً؛ والثالث: أنه الأعمش قاله عكرمة؛ والرابع: أنه الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل قاله مجاهد والضحاك".
(٢) أخرجه البخاري (٤/ ٤٧) , كتاب الجهاد والسير , باب دعاء النبي الناس إلى الإسلام والنبوة وأن لا يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله , ح ٢٩٤٢ , من طريق سهل بن سعد - رضي الله عنه -؛ وأخرجه مسلم (٤/ ١٨٧١) , كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم , باب من فضائل على بن أبي طالب - رضي الله عنه - , ح ٢٤٠٤ , من طريق سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -.
(٣) لفظ "الله" زيادة من ب.
(٤) في أ "اخسَ".
(٥) الثعُّ: القيء , والثعة: المرة الواحدة. النهاية (١/ ٦٠٩).
(٦) أخرجه أحمد في مسنده (٤/ ٢٤١) ح ٢٤١٨ , من طريق ابن عباس - رضي الله عنه - , بلفظ: "أن امرأة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بابن لها , فقالت: إن ابني هذا به جنون , يأخذه عند غدائنا وعشائنا , فيخبث علينا , فمسح النبي صدره ودعا , فثع ثعةً فخرج من جوفه مثل الجرو الأسود" , وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (١٢/ ٥٧) ح ١٢٤٩٠؛ قال الهيثمي في مجمع الزوائد (٩/ ٢): "رواه أحمد والطبراني , وفيه فرقد السبخي , وثقه ابن معين والعجلي , وضعفه غيرهما".
(٧) أخرجه أبو يعلى في مسنده (٦/ ٤٤٨) ح ٣٨٣٧ , من طريق أنس - رضي الله عنه -؛ قال البوصيري في إتحاف الخيرة (٤/ ٤٢٠ - ٤٢١) ح ٣٨٦٦: "هذا حديث صحيح"؛ وأخرجه بنحوه مسلم (٤/ ٢٠٦٨) , كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار , باب كراهة الدعاء بتعجيل العقوبة في الدنيا , ح ٢٦٨٨.

<<  <   >  >>