للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فصل

فإن قيل: إنما قال الله تعالى [ق ٧٦/ظ]: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: من الآية ١] فلم قلتم أنه [تعالى] (١) أسرى به إلى السماء , فالجواب أن يقال: إنه إنما قال: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: من الآية ١] لأن ابتداءَ أمر المعراج كان المسرى , والإعراج كان بعد الإسراء وقد أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - عنهما وهو الصادق المصدوق , والحكمة فيه -والله أعلم- أنه لو أخبر ابتداءاً بعروجه إلى السماء لاشتد إنكارهم وعظم ذلك في قلوبهم ولم يصدقوه في إخباره عن بيت المقدس أيضاً , فلما أخبرهم ببيت المقدس بدءاً (٢) وأقام البراهين على صدقه , وأخبرهم من شأنه بما لا يتمكن كثير ممن قد رآه مراراً كثيرةً أن يخبر به , وأخبرهم عن عِيرهم وعِير غيرهم , وأقام البراهين على ذلك , والتزم لهم أنّ عيرهم تخرج (٣) عليهم مع طلوع الشمس لم يَبق لتكذيبه وجه , فلما تمكن ذلك في قلوبهم , وبان لهم صدقه , وقامت الحجة

عليهم فيه فأخبر بعروجه إلى السماء العليا وسدرة المنتهى حتى دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى وأنه رأى من آيات ربه الكبرى , فلزمهم تصديقه فيما أخبر في ضمن ذلك مما ليس لهم به إلمام ولا تدركه الظنون ولا تحيط به الأوهام؛ وجواب آخر: وهو أنه لو أخبرهم أولاً عن السماءِ لم يكن لهم بشيء من أمرها علم فيخبرهم به استندوا إلى علم ما قد علموه , فأخبرهم أولاً ببيت المقدس الذي قد أحاطوا (من علمه بما أحاطوا) (٤) به فوجدوا ما أخبرهم على وفق ما عندهم من ذلك (٥) فثبت في قلوبهم , ثم أخبرهم بما لم يحيطوا بعلمه لا نفياً ولا إثباتاً فلم يعظم عليهم (٦) تصديقُه فصدقوه؛ وجواب آخر: وهو


(١) "تعالى" زيادة من ب.
(٢) في ب "بداءاً".
(٣) في ب "غيرهم يخرج" وهو خطأ.
(٤) ما بين المعقوفتين ليس في ب.
(٥) في ب "ذاك".
(٦) في ب "عليه" , وهو خطأ.

<<  <   >  >>