للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنه لم يذكر السماء لأن الكفار كانوا ينكرون الجميع فأخبرهم بما يمكنه إقامة الدلالة والبرهان في الحال على صدقه وصحة رؤيته , وقد أخبر الله بأمر السماء في آية النجم وأقسم على صدقه بأنه {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (٢) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: ٢ - ٣]؛ وجواب آخر [ق ٧٧/و]: وهو أن الأمور يتوصل إلى علمها بالأسهل فالأسهل شيئاً فشيئاً , فلما كان الإسراء إلى بيت المقدس أسهل من الإسراء إلى السماء أخبرهم به , فلما استقر عندهم أخبرهم بالمعراج فكان أسهل للقبول (١) والتصديق , والله أعلم.

فصل

وفي حديث الإسراء والمعراج فوائد جليلة , وإشارات نبيلة , منها: أن الله تعالى سيّره في الأرض ليستأنس ثم دَرّجَهُ إلى الصعود إلى السماء فهو نظير قوله: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى} [طه: ١٧] فلما أنِسَ بالخطاب حمّله الرسالة , ومنها: أن الأنبياء جُمِعُوا له هنالك فصلى (٢) بهم فبان فضله بالتقدم عليهم في دار التكليف وكان ائتمامهم به مشيراً إلى نسخ شرائعهم بشريعته , ولهذا إذا نزل عيسى - عليه السلام - صلى خلف المهدي من أمة محمد , وقال: إمامكم منكم (٣) , ومنها: أنه مرّ بالنواحي التي كلم الله - عز وجل - عندها موسى ثم صعد فكُلّم في السماء ليظهر التفاوت بينهما في الفضل؛ ومنها: أن ترتيب الأنبياء في السموات مناسب لأحوالهم فآدم في السماء الدنيا لأنه يُعرض عليه المؤمنون والكفار من ذريته أعني الأرواح ولا يمكن صعود أرواح الكفار إلى السماء قال الله تعالى: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} [الأعراف: من الآية ٤٠] , وعيسى - عليه السلام - في السماء الثانية لأنه لم يكن مستقراً بل جلوسُه هناك ينتظر النزول فكان أقربَ إلى الأرض , وإبراهيم فهو مناسب لحاله لأنه في السماء السابعة وهو أعظم الأنبياء وأفضلهم بعد


(١) في ب "بالقبول".
(٢) في ب "فصل".
(٣) أخرج البخاري (٤/ ١٦٨) , في كتاب أحاديث الأنبياء , باب نزول عيسى ابن مريم - عليه السلام - , ح ٣٤٤٩ , ومسلم (١/ ١٣٦) , في كتاب الإيمان , باب نزول عيسى ابن مريم حاكماً بشريعة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - , ح ١٥٥ , من طريق أبي هريرة - رضي الله عنه - , قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم».

<<  <   >  >>