للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} [الإسراء: ٤٥ - ٤٦] وهذا حجابان فصارت ستَّة حجب , وزيادة أخرى وهي أنَّ الله تعالى جعل حجب محمد - صلى الله عليه وسلم - من أعداءه حجباً لأمَّته من أعدائهم من الجنِّ والإنس كما ذكرنا ذلك في موضعه.

فإن قيل: إن إبراهيم - عليه السلام - كسر نمروذ (١) ببرهان نبوَّته فبهته كما قال تعالى: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة: من الآية ٢٥٨] , قلنا: فمحمد - صلى الله عليه وسلم - أتاه أُبيُّ بن خَلَف المكذِّب بالبعث بعظمٍ بالٍ ففركَه فانفتَّ في يده وقال: من يحي العظام وهي رميم إنكاراً لإحيائها بعدما رمَّت فأنزل الله تعالى البرهان الساطع والجواب القاطع: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: ٧٩] فانصرف مبهوتاً مكبوتاً (٢).

فإن قيل: إبراهيم - عليه السلام - كسَّر أصنام قومه غضباً لله تعالى , قلنا: فمحمد - صلى الله عليه وسلم - نكَّس (٣) ثلاثمائة وستين صنماً كانت منصوبة حول الكعبة بإشارته إليها من غير أن يمسَّها بيده فتساقطت , وجعل يطعن بسية (٤) قوسٍ كانت معه في عين الصنم منها ويقول: «{جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: من الآية ٨١] , {جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: من الآية ٤٩]» (٥) , وأبلغ من هذا في الطرفين أن إبراهيم


(١) في ب "نمرود" بالدال المهملة.
(٢) القول أن الآيات في سورة يس (٧٧ - ٨٠) قد نزلت في أبي بن خلف هو قول: مجاهد , وعكرمة , وعروة بن الزبير , والسدي , وقتادة. تفسير ابن كثير (٦/ ٥٩٣).
(٣) في ب "يكسر" وعليها تضبيب.
(٤) في ب "بسئة" , وما أثبته من أ -بتخفيف الياء- هو الوارد في صحيح مسلم , قال النووي: "السية بكسر السين وتخفيف الياء المفتوحة: المنعطف من طرفي القوس". المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (١٢/ ١٢٨ - ١٢٩).
(٥) أخرجه البخاري (٦/ ٨٦) , كتاب تفسير القرآن , باب (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً) , ح ٤٧٢٠ , من طريق عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - , بلفظ: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة , وحول البيت ستون وثلاث مائة نُصُب , فجعل يطعنها بعود في يده , ويقول: «{جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: من الآية ٨١] , {جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: من الآية ٤٩]»؛ وأخرجه مسلم (٣/ ١٤٠٨) , بنحوه في كتاب الجهاد والسير , باب إزالة الأصنام من حول الكعبة , ح ١٧٨١.

<<  <   >  >>