فمسألة الاحتجاج هذه بالمراسيل من أعقد ما يكون من مباحث أصول الفقه، وقد كتب فيها العلماء -يعني قديما وحديثا- فيها مؤلفات خاصة، وفيها أيضا رسائل عليا -يعني في الوقت الحاضر-، وأُشبعت كلاما، ويعني أنا ألخص الموضوع بالنسبة لأهل الحديث، بالنسبة لأهل الحديث النصوص عنهم أنه مثل مسلم بن الحجاج، ومثل أبي حاتم، وأبي زرعة، وأيضا الإمام أحمد منقول عنه، والشافعي كذلك، وجماعة كثيرون يتداولون هذا، ومثل -يعني- من اشترط الصحيح في مؤلفه كالبخاري، وابن خزيمة، وابن حبان.
أهل الحديث عندهم أن المرسل في حكم ماذا؟ في حكم الضعيف، وأنهم يقولون: لا يُحتج به، هذا بالنسبة لأهل الحديث، وهو الذي ذكره ابن الصلاح -رحمه الله-، ثم نسب إلى مذهب مالك ومذهب أبي حنيفة الاحتجاج بالمراسيل، وكذلك أيضا نسبه ابن كثير، قال: هو محكي عن الإمام أحمد.
أحب أن أضيف بس ما نطيل في هذا؛ لأن هذه مسألة.. وكذلك نقل عن الشافعي متى يحتج بالمرسل، أحب أن نذكر كلمة مختصرة، وهي أن الذي يظهر -والله أعلم- أن الأمر كما قال ابن عبد البر: كل من احتج بالمرسل خصمه يقول له إذا أراد أن يناقشه ماذا يقول له؟ هذا الحديث يكون مرسلا، يعني أن الجميع متوقفون في الإرسال، في المرسل، ولكن هنا أمر مهم، وهو أن الاحتجاج قد يُحتج بما -يعني- قد يُلجأ إلى الاحتجاج بأصل، وإن كان الأصل فيه عدم الاحتجاج.
وإذا قلنا إن المحدثين لا يحتجون بالمراسيل، أو يضعفون المراسيل، فينبه إلى أنه قد يَحتج الإمام منهم ببعض المراسيل، إما لقوتها؛ وهذا راجع إلى الصحة -كما مر بنا- أنهم يحتجون، أو أنهم يقوون مثلا ما يرويه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، وإما لأن ليس الاعتماد على هذا المرسل في الاحتجاج، وإنما معه مثلا أقوال الصحابة، معه مثلا ظاهر القرآن، معه قياس إما جلي أو خفي، معه أصل عام، معه مصلحة مرسلة ونحو ذلك.