للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في العصور المتأخرة تخففوا منها كثيرا، وألغوها تقريبا، في النهاية ألغيت، حتى لم يعد لها وجود، وكما ذكرت نحن لسنا بحاجة إلى علم الجرح والتعديل، لِم ألغيت؟ لأنه ذهب عصر الرواية، هذا هو السبب، لو كان هناك عصر الرواية ما ذهبت، إذن ذهب عصر الرواية، فيقولون: الرواة الآن يروون كتبا، الرواة في العصور المتأخرة لا يرون أحاديث، وإنما يروون نسخا وكتبا، يرون "صحيح البخاري"، يروون "صحيح مسلم"، يروون "مصنف ابن أبي شيبة"، يروون "مصنف عبد الرزاق" كتب موجودة متعارف عليها، يروون أجزاء معروفة، متعارف عليها.

إذن يكفي أن يكون هذا الراوي -وإن لم تتوافر فيه شروط الرواة الأولين- يكفي فيه أن يكون هناك أصل مثبت من ثقة أن هذا سمع، وقد مر بنا -يمكن ما مر بنا هنا- أن ابن كثير -رحمه الله- روى حديث المسلسل بقراءة سورة "الصف"، حديث معروف كل راوٍ يقرأ سورة "الصف" إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فابن كثير أحب أن يلتحق بهذه السلسة، فجاء إلى شيخ يروي هذا الحديث.

لكن نتصور هذا الشيخ عامّي ما يعرف أن يقرأ سورة "الصف"، ولكنه أيام كان صغيرا أُحضر مجلسا، وهذا هو سبب رواية الرواة وإن لم يكونوا أهلا للرواية في العصور المتأخرة، أنهم يحضرون وهم صغار، ثم قد ينشغل عن الرواية، لكنه يعمر فيحتاجونه الناس.

يقول ابن كثير: وضاق الوقت عن تلقينه إياها، يعني: ما استطاعوا حتى أن يلقنوه سورة "الصف"، وإن كان ابن كثير قد رواها مرة ثانية، يعني حصلت له فرصة أن يرويها بطريق آخر، لكن هذا ينبئنا ...

وكذلك الذهبي -رحمه الله- في معجم شيوخه، عتب على نفسه هو، عتب وشدد في العتاب على نفسه وعلى بعض المحدثين الذين يروون عمن هو ليس بأهل للرواية، وإنما الغرض هو كثرة الرواية.

<<  <   >  >>