قلت: والوجَّادة ليست من باب الرواية، وإنما هي حكاية عما وجده في كتاب، وأما العمل بها فمنع منه طائفة كثيرة من الفقهاء والمحدثين أو أكثرهم فيما حكاه بعضهم، ونقل عن الشافعي وطائفة من أصحابه جواز العمل بها.
قال ابن الصلاح: وقطع بعض المحققين من أصحابه في الأصول بوجوب العمل بها عند حصول الثقة به، قال ابن الصلاح: وهذا هو الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة؛ لتعذر شروط الرواية في هذا الزمان، يعني: فلم يبق إلا مجرد وجادات.
قلت: وقد ورد في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ? أي الخلق أعجب إليكم إيمانا؟ قالوا: الملائكة، قال: وكيف لا يؤمنون وهم عند ربهم، وذكروا الأنبياء، فقال: وكيف لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم؟! قالوا: فنحن؟ قال: وكيف لا تؤمنون وإنا بين أخطركم، قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال: قوم يأتون من بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بما فيها ?.
وقد ذكرنا الحديث بإسناده ولفظه بشرح البخاري ولله الحمد، ويأخذ منه من عمل بالكتب المتقدمة بمجرد الوجادة لها، والله أعلم.
هذه الطريقة الأخيرة من طرق التحمل وهي الوجادة: وهي مصدر من وجد، وخلاصتها أن يجد بخط الشيخ كتابا، ويقسمونها إلى قسمين. هنا نلاحظ من كلام ابن كثير أنها مقسومة إلى قسمين:
القسم الأول: أن يجد التلميذ بخط شيخه، فهذه يظهر -والله أعلم- أنها طرق من طرق الرواية مثل قول عبد الله ابن الإمام أحمد، كثيرا ما يقول: وجدتُ بخط أبي، فهذه طريقة من طرق الرواية.
أما إذا كان الواجد بعد عصر الشيخ، أي: لم يدركه فهذه حكاية مجرد حكاية. أنت تقول الآن: نلاحظ الذي يقرأ في كتاب (تهذيب التهذيب) كثيرا ما يقول ابن حجر: وجدت أو قرأت بخط الذهبي، فهذه وجادة ولكنها ليست رواية، وإنما هي حكاية؛ فليس معه إذن وليس معه إعلان، وليست من طرق التحمل.