ابتدأ هذه الأمور التي ذكرها في صفة رواية الحديث أن بعض الأئمة -رحمهم الله تعالى- اشترطوا -ومنهم الإمام مالك منسوب إليه- أن يكون الراوي يحفظ حديثه، فإن لم يكن يحفظ حديثه لم يجز له أن يرويه وإن كان من كتابه، لا بد أن يحفظ الحديث، ولا يصح له أن يرويه وإن كان معه كتاب فيه أحاديثه.
وعللوا ذلك حتى قال بعضهم: أخشى أن يكون غُيِّر فيه وهو لا يعلم. شددوا في ذلك من باب المحافظة على الرواية، ولكن جمهور العلماء -رحمهم الله تعالى- على أن الراوي إذا كان ضابطا لكتابه، حافظا له من التغير والتبديل فإنه يصح له أن يروي منه، وإن كان غير حافظ لما فيه. الحفظ عندهم حفظان: حفظ صدر، وحفظ كتاب.
وهذه القضية الأولى هذه موجودة بكثرة في عصر الرواية: أن يكون الراوي حفظه في شيء فيه نقص في الغالب، منهم من يحفظون لكن يكون في حفظهم شيء، فيكون الاعتماد على ما في كتبهم كما مر بنا بالأمس.
فهذه القضية الأولى هذه بلا شك لها صلة بالرواة في عصر الرواية، نجد هذا في كتب الجرح والتعديل مثل ذلك، ذكروا أن يونس بن يزيد أحد كبار أصحاب الزهري، يقولون: إن وكيعا لقيه فذاكره، فما رأيته يقيم ثلاثة أحاديث أو نحو هذه العبارة، ووصفه بسوء الحفظ، والأمر كما قال وكيع -رحمه الله تعالى-: في حفظه شيء يونس بن يزيد وهو من كبار أصحاب الزهري، السبب في ذلك أن الاعتماد على كتابه في الرواية، حتى أن من كبار تلامذته ابن المبارك يقول: كتابه أصح يقرر ذلك، ومع هذا فهو من كبار أصحاب الزهري -رحمه الله تعالى-، ويقولون: إنه في حفظه شيء.
فالمقصود أن الأمر الأول هذا له صلة بالنقد في عصر الرواية وما بعده، سيذكره أو أكثره في السماع بعد عصر الرواية ... في سماع الكتب مثل ما ذكره -نعم- قبل هذا في الفرع في الأمر السابق.