أحيانا الحافظ ... كثير من الرواة كما أعرف ما ذكرته قبل قليل من أن بعض الرواة لا يحفظ، أو في حفظه شيء، وكتابه موثوق، هذا قليل، أكثر الرواة يجمعون بين الحفظ وبين الكتاب -بحمد الله تعالى- كبار الحفاظ أو غالب الرواة هكذا، ولكن مع ذلك أحيانا يجري أن الحافظ يحفظ شيئا، فإذا رجع إلى كتابه وجده فيه اختلاف: إما في وصل أو إرسال أو زيادة في كلمة.
يقول ابن كثير -رحمه الله-: إن كان الاعتماد على الحفظ فينبغي أن يرجع إلى الحفظ، وإن كان اعتماده على الكتاب فينبغي أن يرجع إلى الكتاب، هذا ملخص كلامه.
ويقول: ينبغي أن ينبه عليه، أن ينبه كذا، وكان شعبة -رحمه الله تعالى- كثيرا ما ينبه ... كثيرا ما تجد في أخبار شعبة أن يقول: حفظي كذا، وفي كتابي كذا، وكذلك خالفه غيره شبيه به؛ لأنه الآن الاختلاف بين مَن ومَن، في الصورة الأولى في نفس الراوي: بين حفظه وبين كتابه، فكأنهما الآن شخصان.
والصورة التي تليها الثانية: هي أن يخالفه غيره ويعرف هو أن غيره يخالفه، يقولون: يحسن أن يذكر هذا ... يذكر أن كتابه فيه اختلاف عن حفظه، ويذكر أن غيره يخالفه، وهذا يفعله كثير من الأئمة، حتى أن شعبة -رحمه الله- حدّث مرة بحديث، وقال: أنا أحفظه كذا، وغيري يحدّث به، فقالوا: دعنا من غيرك، حدثنا بما تحفظ، قال: لأنْ أخر من السماء -أو نحو هذه الكلمة- أحب إليّ من أن أدعها، أي: لا بد لي أن أنبه إلى أن غيري يخالفني؛ لأنه يحتمل أن يكون الصواب مع من؟ مع غيره وهذا من إنصافهم وورعهم -رحمهم الله تعالى-.