وأشرف أنواع العلو ما كان قريبا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأما العلو بقربه لإمام حافظ أو منصف، أو بتقدم السماع تلك أمور نسبية، فقد تكلم الشيخ أبو عمرو ها هنا عن الموافقة، وهي انتهاء إسناده إلى شيخ مسن -مثلا-، والبدل: وهو انتهاؤه إلى شيخ شيخه أو مثل شيخه، والمساواة: وهو أن يتساوي في إسنادك الحديث لمصنف، والمصافحة: وهي عبارة عن نزولك عنه بدرجة، حتى كأنه صافحك به، وسمعته منه. وهذه الفنون توجد كثيرا في كلام الخطيب البغدادي، ومن نحا نحوه، قد صنف الحاكم ابن عساكر في ذلك مجلدات.
وعندي أنه نوع قليل الجدوى بالنسبة إلى بقية الفنون، فأما من قال: إن العالي من الإسناد: ما صح سنده، وإن كثرت رجاله، فهذا اصطلاح خاص، وماذا يقول هذا القائل فيما إذا صح الإسنادان؟! لكن أقرب رجالا، وهذا قول محكي عن وزير نظام الملك وعن الحافظ السلفي.
وأما النزول فهو ضد العلو، وهو مفضول بالنسبة إلى العلو، اللهم إلا أن يكون رجال الإسناد النازل أجلّ من رجال العالي، وإن كان الجميع ثقات، كما قال وكيع لأصحابه: أيما أحب إليكم؟ الأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، أو سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود.
فقالوا: الأول، فقال: الأعمش عن أبي..، فقال: الأعمش عن أبي وائل: شيخ عن شيخ، وسفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود، فقيه عن فقيه، وحديث يتداوله الفقهاء أحب إلينا مما يتداوله الشيوخ.