هذا النوع التاسع والعشرون متعلق بالإسناد العالي والإسناد النازل، وخلاصة الموضوع في هذا أن الإسناد العالي: هو الذي قل رجاله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنسبة إلى إسناد آخر لنفس الحديث، بالنسبة لإسناد آخر لنفس الحديث وليس لحديث آخر، يعني -مثلا- حديثان أو إسنادان لحديث واحد، لنفرض -مثلا- أن مسلما يروي حديثا، أو البخاري يروي حديثا، يرويه بإسناد بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة، ويرويه بإسناد آخر بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - خمسة أو ستة، يقال بالنسبة للأول: هذا إسناد عال، هذا هو العلو، هذا هو العلو المطلق، ويسمونه العلو المطلق، ومعناه قلة إسناد الحديث، قلة عدد رجال إسناد الحديث بالنسبة إلى إسناد آخر للحديث نفسه.
وهذا هو الذي رغب فيه العلما، ومن أجله كانت الرحلة، يعني كان الراوي يسمع من شيخ حديثا عن الشيخ، يكون الشيخ هذا موجودا، لكن في بلد آخر، فيرحل الشيخ إلى هذا الراوي ليسمع منه، ويسقط الواسطة لا يحتاج إليها، وقد جمع الخطيب -رحمه الله تعالى- كتابا سماه "الرحلة في طلب الحديث"، لكنه خصه بمن رحل في طلب حديث واحد، في طلب حديث واحد رحل من بلد إلى بلد.
وابتدأه بأخبار بعض الصحابة: جابر بن عبد الله وغيره ممن رحل في طلب حديث واحد، يعني يرحل إلى البلد، ويطرق الباب ويقول له: سمعت هذا الحديث، فيقول: نعم، فيرجع.
وأما أخبار المحدثين في الرحلة عموما فلا يمكن أن يضبطها كتاب، فإن عملهم كله قائم على الرحلة في طلب الحديث؛ ولهذا ينصون على من لم يرحل، يقولون: لم يرحل أو رحل إلى -مثلا- بلاد قريبة من بلادهم، أما سائر المحدثين في عصر الرواية، فكان عملهم هو الرحلة؛ ولهذا يقولون: الإمام أحمد -رحمه الله- رحل إلى مكة ما فيها إشكال، لكن رحل إلى اليمن وإلى الشام، ورحل البخاري إلى ... طاف البلاد الإسلامية، ورحل مسلم إلى مصر ... ، يطوفون.