ومما ألفه من كتبه المؤلفة في الحديث هذا الكتاب "مختلف الحديث"، وقدَّمه بمقدمة شَنَّ فيها الغارة على المعتزلة، وعلى موقفهم من الحديث، ثم ذكر عددا من الأحاديث المتعارضة، وصار يجيب عليها.
نعم، العلماء -رحمهم الله- قالوا: إنه -في بعض اجتهاداته في الجواب- قد يكون أخطأ في بعضها، وهذا لا يضر.
الطحاوي له كتاب سَمَّاه "مشكل الآثار"، كتاب كبير جدا من هذا الباب أيضا، يورد فيه مجموعة من الأحاديث، ويوفق بينها، وبعض توفيقاته قد لا يوافق عليها.
ثم ذكر ابن كثير -رحمه الله تعالى- أن التعارض بين الحديثين ليس على درجة واحدة؛ منه ما يمكن فيه الجمع، ومنه ما يُلْجأ إلى النسخ، ومنه ما يُلْجأ إلى الترجيح، وأنه -أيضا- محل نظر واجتهاد، وهذا -كما قال- لما يراه تعارضا حقيقيا فيُرَجِّح، ويراه بعضهم تعارضا صوريا فيَجمع.
وذكر أن ابن خزيمة -رحمه الله- يقول: ليس ثَمَّ حديثان متعارضان من كل وجه، ومن وجد شيئا من ذلك فليأت لنؤلف له بينهما.
وهو -كما قال- اشتغل ابن خزيمة -رحمه الله-، لكن نلاحظ أن بعض الجموع قد يكون فيها نوع تكلف، فيذهب الجامع ليصحح الروايتين، وعلى طريقة المحدثين أيهما يُبدأ به: الجمع، أم النظر في الطرق؟
لا، قضية الجمع هذه ليست موجودة عندهم بالمعنى المتعارف عليه، أننا نجمع أولا، فإن لم نجد جمعا لجأنا إلى أي شيء؟ لأن قضية الجمع هذه لا تنضبط.
الآن انظر ابن خزيمة يقول:"ليس هناك حديثان في الدنيا إلا أستطيع أن أجمع بينهما".
فإذن، عند المحدثين الترجيح النظر في الأسانيد أولا، ويُسخِّرون التعارض في الأحاديث للترجيح، فهذا له مدخل في نقد السُّنّة.
فإذن، ما يُتعارف عليه، أو ما يُذكر دائما أن الأولى الجمع، ثم الترجيح، ثم النسخ وهكذا، هذا ليس على إطلاقه؛ فكل حديث يخضع لحاله، وكل تعاون بين حديثين يخضع لذلك.