مثال ذلك مثلا: ورد حديث في الصحيحين أن عائشة قالت -وكذلك قاله ابن عمر-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال -رويا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ? إن بلالا يؤذِّن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ?.
في رواية عن عائشة، أو في بعض الطرق إلى عائشة جاء: ? إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال ?.
الآن ابن خزيمة -لما جاء إلى الجمع- أحب أن يصحح الروايتين بعد كلام له على أسانيدهما، فقال: يحتمل أن يكون ليلةً يبكّر بلال، وليلة يبكّر مَنْ؟ فقال هذا في الليلة التي يبكر فيها بلال، وقال هذا في الليلة التي يبكر فيها ابن أم مكتوم.
ثم جاء ابن حبان وجزم، لم يذكر احتمالا، وإنما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا في ليلة، وهذا في ليلة.
هذا الجمع على طريقة المحدثين ما يصلح، بل المحدثون يرجِّحُون ما هو في الصحيحين، وما هو في الطرق الصحيحة أن الذي يؤذن بليل مَنْ هو؟ هو بلال، وأن الذي يؤذن ابن مكتوم.
وفي الحديث تعليل ذلك؛ فإنه كان أعمى، وكان لا يؤذن حتى يُقال له: أصبحت، أصبحت.
وفي الحديث الآخر، حديث ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ? لا يغرنكم أذان بلال؛ فإنه يؤذن ليوقظ نائمكم ?.
يعني: المهم أنه بلا إشكال أن الذي يؤذن أولا مَنْ هو؟ هو بلال.
فمثل هذه الجموع لا تسير على طريقة المحدثين، يعني: ليس كل حديث استطعنا أن نجمعه أو نجمع بينهما انتهى أمره على طريقة المحدثين، وإنما النظر أولا عندهم من جهة النقد هو في الأسانيد أولا، ويسخِّرون التعارض هذا للنظر في الأسانيد، هذا أحببت أن أنبه عليه؛ لأنه كثيرا ما ترسخ في أذهان الباحثين. نعم.. يا شيخ، اقرأ.