ثم قال ابن الصلاح: وهذا مصير منهم، إلا أنه ترتفع الجهالة عن الراوي برواية واحد عنه.
قلت: وأما رواية العدل عن شيخ، فهل هي تعديل أم لا؟ في ذلك خلاف مشهور. إن اشترط العدالة في شيوخه -كمالك ونحوه- فتعديل، وإلا فلا.
وإذا لم نَقُلْ إنه تعديل، فلا تضر جهالة الصحابي؛ لأنهم كلهم عدول، بخلاف غيرهم، فلا يصح ما استدرك به الشيخ أبو عامر -رحمه الله-؛ لأن جميع من تقدم ذكرهم صحابة، والله أعلم.
أما التابعون فقد تفرد -فيما نعلم- حماد بن سلمة عن أبي العشراء الدارمي، عن أبيه بحديث: ? أما تكون الذكاة إلا في اللبة؟ فقال: أما لو طَعَنْتَ في فخذها لأجزأ عنك ?.
ويُقال: إن الزهري تفرد عن نيف وعشرين تابعيا، وكذلك تفرد عمرو بن دينار، وهشام بن عروة، وأبو إسحاق السبيعي، ويحيى بن سعيد الأنصاري عن جماعة من التابعين.
وقال الحاكم: وقد تفرد مالك عن زهاء عشرة من شيوخ المدينة، لم يروِ عنهم غيره.
هذا فن، النوع السابع والأربعون فن دقيق جدا من الفنون التي اهتم بها أئمة الحديث، وهو معرفة من لم يروِ عنه إلا راوٍ واحد؛ من صحابي وتابعي ومن بعدهم، وقد ألفوا في ذلك كتبا يسمونها "كتب الوحدان"، يعني: شخص ليس له من الرواة إلا راوٍ واحد.
ومثّل ابن كثير -رحمه الله تعالى- بعدد من الأمثلة، منهم من الصحابة ومن التابعين، ولا إشكال في ذلك، لكنه عَرَّج على دعوى الحاكم في "الإكليل" أن البخاري ومسلما لم يُخرِّجَا لراوٍ ليس له إلا راوٍ واحد.
وكما نعرف الحاكم -رحمه الله- كثر التعقب عليه في كثير مما يذكره، مثل: تقسيماته الحديث المعلل، ومثل كثير مما يذكره، ومنه هذا القبيل، من هذا القبيل ما نسبه إلى الصحيحين؛ فإنه متعقب بأن البخاري ومسلم أخرجا لأناس، وليس لكل منهم إلا راوٍ واحد، ومثَّلَ ابن كثير بهذه الأمثلة، وبهذه الأحاديث التي رأيناها.