وقد سمع أبو ذراب النخشبي أحمد بن حنبل، وهو يتكلم في بعض الرواة فقال له:"أتغتاب العلماء؟! " فقال له: "ويحك هذه نصيحة ليس يقال هذا غيبة". ويُقال: إن أول من تصدى للكلام في الرواة شعبة بن حجاج، وتبعه يحيى بن سعيد القطان، ثم تلامذته: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، وعامر بن فلاس وغيرهم، وقد تكلم في ذلك مالك وهشام بن عروة، وجماعة من السلف، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: ? الدين النصيحة ? وقد تكلم بعضهم في غيره فلم يعتبر؛ لما بينهما من العداوة المعلومة، وقد ذكرنا من أمثلة ذلك: كلام محمد بن إسحاق في الإمام مالك، وكذا كلام مالك فيه، وقد وسع السهيلي القول في ذلك، وكذلك كلام النسائي في أحمد بن صالح المصري، حين منعه من حضور مجلسه.
نعم، هذا الموضوع معرفة الثقات، أو هذا النوع معرفة الثقات والضعفاء من الرواة وغيرهم، هذا -يعني- من الترتيب غير المناسب في كتاب ابن الصلاح، وهذا كان حقه أن يُوضع إلى جنب النوع السابق، يعني الذي مر قبل ... يعني قبل عدة أنواع، قبل أنواع كثيرة، وهو معرفة من تُقبل روايته، معرفة من تُقبل روايته ومن ترد، يعني كأنه هناك يُقال لك ... أو كأنه يقول سؤالا: كيف نعرف جرح الراوي وتعديله؟ أو من أين نأخذ... ولا سيما بعد أن تكلم ابن الصلاح على ما في الكتب، وأنها يأتي بها أبطال أئمة الجرح والتعديل، يعني: غير مفسره؟
فيُذكر هنا أين يوجد جرح الرواة وتعديلهم، فيعني هذا هو المكان المناسب له، ثم تكلم ابن كثير -رحمه الله- على أنواع التصنيف في هذا، منهم من ألف في الثقات، ومنهم من ألف في الضعفاء، ومنهم من ألف كتابا مختلطًا يجمع بين الثقات والضعفاء، مثل كتاب:"التاريخ الكبير"، وكتاب "الجرح والتعديل"، ومنهم من كتابه خاص بكتابٍ معين، أو بكتبٍ معينة، أو بأهل بلدٍ معين، فهذه كلها مؤلفات قُصد بها معرفة درجة كل راوٍ؛ من أجل الحكم عليه وعلى حديثه.