الذي ينفق ماله (رِئاءَ النَّاسِ) لا يريد بإنفاقه رضاء اللَّه ولا ثواب الآخرة، (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ) مثله ونفقته التي لا ينتفع بها البتة بصفوان: بحجرٍ أملس عليه تراب. وقرأ سعيد بن المسيب:(صفوان) بوزن كروان. (فَأَصابَهُ وابِلٌ): مطر عظيم القطر. (فَتَرَكَهُ صَلْداً): أجرد نقياً من التراب الذي كان عليه، ومنه: صلد جبين الأصلع؛ إذا برق. (لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) كقوله: (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً)[الفرقان: ٢٣]، ويجوز أن تكون الكاف في محل النصب على الحال، أي: لا تبطلوا صدقاتكم مماثلين الذي ينفق. فإن قلت: كيف قال: (لا يَقْدِرُونَ) بعد قوله: (كَالَّذِي يُنْفِقُ)؟ قلت: أراد بالذي ينفق الجنس، أو الفريق الذي ينفق، ولأن «من» و «الذي» يتعاقبان، فكأنه قيل: كمن ينفق.
الثاني لسياق الآيات، لأنه تعالى لما قال:(لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى) أتبعه قوله: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ)، أي: خير للمصدق، والعفو الصادر عن السائل على المسئول بسبب عنفه وزجره كيف يكون خيراً للمسئول؟ والأولى أن يسند العفو أيضاً إلى المسئول؛ لأن الكلام سيق له، المعنى: إذا صدر عن السائل بسبب الرد ما يثقل عليه يعفو عنه ولا يزجره، ويؤيده قول الإمام: إن الفقير إذا رد بغير مقصوده شق عليه ذلك، فربما حمله ذلك على بذاء اللسان، فأمر بالعفو عن ذلك والصفح عنه. وعلى هذا يصح جعل "مغفرة" مبتدأ لتخصيصه، أي: مغفرة منه.
قوله:(ويجوز أن تكون الكاف في محل النصب على الحال): عطف على قوله: "كإبطال