طلبوا الإعفاء عن التكليفات الشاقة التي كلفها من قبلهم، ثم عما نزل عليهم من العقوبات على تفريطهم في المحافظة عليها. وقيل: المراد به الشاقّ الذي لا يكاد يستطاع من التكليف، وهذا تكرير لقوله:(وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) ........
قوله:(طلبوا الإعفاء)، الجوهري: يقال: أعفني من الخروج معك، أي: دعني منه، واستعفاه من الخروج معه وسأله الإعفاء، يعني: طلبوا من الله تعالى بقولهم: (وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً) أن لا يكلفهم بالتكاليف الشاقة، ثم طلبوا الإعفاء بقوله:(وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) عما نزل بالأولين من العقوبات على تفريطهم، وإنما حمله على العقوبات كي لا يلزم التكرار؛ لأن معناهما واحد، والذي يدل على المقدر قوله:(وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً)؛ لأن التفريط فيه سبب للمعاقبة.
وقوله:(وقيل: المراد به الشاق الذي لا يكاد يستطاع) عطف على قوله: "ما نزل عليهم". فإن قلت: هل هذا إلا تكرير لقوله: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا)؟ قلت: لا؛ لأن قوله:(لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) خاص لما سبق أنه ناسخ لقوله: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ) الآية؛ كرامة لهذه الأمة المرحومة، ورفعاً لما كان شاقاً عليهم من المؤاخذة بحديث النفس، ثم أرشدهم إلى أن طلبوا منه ما كان شاقاً على الأمم السالفة من نحو قتل الأنفس، وقطع موضع النجاسة من الجلد والثوب، وغير ذلك بقوله:(وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً)، ثم أرشدهم إلى طلب رفع الشاق الذي لا يكاد يستطاع من التكاليف على سبيل العموم، فالتشديد في (وَلا تُحَمِّلْنَا) للتكثير؛ ليناسب العموم كرامة إلى كرامة، فعلى هذا يكون تكريراً، وفائدته تعليق الزيادة عليه من قوله وقيل: المراد به الشاق الذي لا يكاد يستطاع: (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا) الآية.