وروي: أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مال البحرين ثمانون ألفاً، فتوضأ لصلاة الظهر، وما صلى حتى فرقه، وأمر العباس أن يأخذ منه ما قدر على حمله، وكان يقول: هذا خير مما أخذ منى، وأرجو المغفرة.
وقرأ الحسن وشيبة:"مما أخذ منكم"، على البناء للفاعل.
(وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ): نكث ما بايعوك عليه من الإسلام والردّة واستحباب دين آبائهم (فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ) في كفرهم به ونقض ما أخذ على كل عاقل من ميثاقه (فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ) كما رأيتم يوم بدر، فسيمكن منهم إن أعادوا الخيانة. وقيل: المراد بالخيانة: منع ما ضمنوا من الفداء.
قوله:((فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ)): يُقال: مكنه من الشيء وأمكنه منه: أقدره عليه. الأساس:"مكنته من الشيء وأمكنته منه، فتمكن منه واستمكن، ويقول المصارع لصاحبه: مكني من ظهرك".
وفي إيقاع قوله تعالى:(فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ) جزاء للشرط: معنى قولهم: إن تكرمني الآن فقد أكرمتك أمس، وهو متضمن للتوبيخ والإخبار بالوعيد، ومن ثم قال:"فسيمكن منهم"، وهذه الآية قرينة للسابقة، والمعنى: قل للأسارى إن أردتم الإخلاص في الإيمان، وصحت نياتكم لله فيه، فالله تعالى لا يضيع حقكم في الدنيا والآخرة، وإن أردتم الأخرى - وهي دأبكم وعادتكم - فالله تعالى قادر على أن يمكن منكم. فوضع الخيانة موضع عدم الإخلاص في الإيمان، ليؤذن بأن الإيمان هو الأمانة التي استودع الله في بني آدم (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ) إلى قوله: (وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ)[الأحزاب: ٧٢]، ولذلك قال:"ونقض ما أُخذ على كل عاقل من ميثاقه" يعني: في قوله: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى)[الأعراف: ١٧٢].