(مِنْ أَنْفُسِكُمْ): من جنسكم ومن نسبكم، عربي قرشي مثلكم، ثم ذكر ما يتبع المجانسة والمناسبة من النتائج، بقوله:(عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) أي: شديد عليه شاق - لكونه بعضاً منكم - عنتكم ولقاؤكم المكروه، فهو يخاف عليكم سوء العاقبة والوقوع في العذاب.
(حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) حتى لا يخرج أحد منكم عن إتباعه والاستسعاد بدين الحق الذي جاء به، (بِالْمُؤْمِنِينَ) منكم ومن غيركم (رَءوفٌ رَحِيمٌ).
وقرئ:"من أنفسكم"، أي: من أشرفكم وأفضلكم، وقيل: هي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاطمة وعائشة رضي الله عنهما.
قوله:(ثم ذكر ما يتبع المجانسة المناسبة من النتائج): وذلك من إجراء هذه الصفات على الرسول صلوات الله عليه، لتعداد المنن على المرسل إليهم، فيجب أن يعتبر في كل من تلك الصفات فائدة جليلة، ليصح الامتنان بكل منها، فأجري عليه أولاً (مِنْ أَنفُسِكُمْ) أي: من جنسكم، لأن الجنس إلى الجنس أميل، ثم رتب عليه صفات أخر على سبيل الترقي، كما سينبئ عنه كلامه.
قوله:((عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ): أي: شديد عليه شاق): وعن الراغب: "العزة: حالة مانعة للإنسان أن يُغلب، من قولهم: أرض عزاز، أي: صلبة، والعزيز: الذي يقهر ولا يُقهر. قال تعالى:(وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ)[المنافقون: ٨]، وقد يُذم بالعزة، كقوله تعالى:(بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ)[ص: ٢]، وقد تُستعار للحمية والأنفة المذمومة، قال تعالى:(وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ)[البقرة: ٢٠٦]، ويقال: عز علي ذا، أي: صعب، (وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ)[ص: ٢٣]، أي غلبني، عز الشيء: قل، اعتباراً بماقيل: كل موجود مملول، وكل مفقود مطلوب".