والظاهر أنه أحسن ما يقتص في بابه، كما يقال في الرجل: هو أعلم الناس وأفضلهم، يراد في فنه.
فإن قلت: ممّ اشتقاق "القصص"؟ قلت: من قصّ أثره إذا اتبعه، لأنّ الذي يقصّ الحديث يتبع ما حفظ منه شيئاً فشيئاً، كما يقال: تلا القرآن، إذا قرأه، لأنه يتلو أي: يتبع ما حفظ منه آية بعد آية.
(وَإِنْ كُنْتَ): "إن" مخففة من الثقيلة. واللام هي التي تفرق بينها وبين النافية. والضمير في (قَبْلِهِ) راجع إلى قوله: (بما أوحينا). والمعنى: وإنّ الشأن والحديث كنت من قبل إيحائنا إليك من الغافلين عنه، أى: من الجاهلين به، ما كان لك فيه علم قط ولا طرق سمعك طرف منه.
قوله:(والظاهر أنه أحسن ما يقتص في بابه)، المعنى: أن قصة يوسف في الاقتصاص أحسن من سائر الأقاصيص فيه، فلا يلزم أن تكون قصته أحسن من قصة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكونه أحسن اقتصاصاً لأنها اقتصت على أبدع طريقة وأعجب أسلوب.
قوله: (مم اشتقاق "القصص"؟ )، أي: من أي معنى اشتق "القصص"، وما المنقول منه؟ وإلا فقد بين اشتقاقه فيما سبق حيث قال:"قص الحديث يقصه قصصاً".
قوله:(من الجاهلين به)، هذه كبوة منه توهم أن الغافل عن الشيء هو الجاهل به، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن يطلق عليه اسم الجاهل ويخاطب به أبداً، قال القاضي:" (لَمِنْ الْغَافِلِينَ) عن هذه القصة؛ لم تخطر ببالك، ولم تقرع سمعك قط، وهو تعليل لكونه موحى".