للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قلت: ما معنى تكرار (رأيت)؟ قلت: ليس بتكرار، إنما هو كلام مستأنف على تقدير سؤال وقع جواباً له، كأن يعقوب عليه السلام قال له عند قوله (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً): كيف رأيتها سائلاً عن حال رؤيتها؟ فقال (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ).

فإن قلت. فلم أجريت مجرى العقلاء في (رأيتهم لي ساجدين)؟ قلت: لأنه لما وصفها بما هو خاص بالعقلاء وهو السجود. أجرى عليها حكمهم، كأنها عاقلة، وهذا كثير شائع في كلامهم، أن يلابس الشيء الشيء من بعض الوجوه، فيعطى حكما من أحكامه إظهاراً لأثر الملابسة والمقاربة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العطف إن كان بلا تكلف ولا مانع ولا موهن، فلو خيف به فوات ما تصرفوا به رجح النصب على المعية. كذلك ها هنا رجحنا المعية على العطف لتوخي حصول الأفضلية ليترجح معنى الآية إلى معنى قوله تعالى: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ) [النساء: ٦٩].

قوله: (أجرى عليها حكمهم، كأنها عاقلة)، قال الزجاج: "إذا جعل الله غير المميز كالمميز كذلك تكون أفعالها وآثارها، وأما (سَاجِدِينَ) فحقيقته فعل كل من يعقل، فإذا وصف به غيرهم فقد دخل في المميزين، وصار الإخبار عنهم كالإخبار عنهم".

قوله: (أن يلابس الشيءُ الشيء)، قيل: هو خبر مبتدأ محذوف، أي: هو أن يلابس، والجملة بيان لقوله: "هذا كثير في كلامهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>