كأن المعنى: خادعته عن نفسه، أي: فعلت ما يفعل المخادع لصاحبه عن الشيء الذي لا يريد أن يخرجه من يده، يحتال أن يغلبه عليه ويأخذه منه، وهي عبارة عن التمحل لمواقعته إياها.
فإنه تعالى يتعالى عن معنى النزوع، فمنى: أراد الله كذا: حكم فيه أنه كذا أوليس بكذا، وقد يراد بها معنى الأمر، نحو: أريد منك كذا، أي: آمرك بكذا، نحو قوله تعالى:(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ)[البقرة: ١٨٥].
والمراودة: أن تنازع غيرك في الإرادة، فتريد غير ما يريده، أو ترود غير ما يروده، وراودت فلاناً عن كذا، (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي)[يوسف: ٢٦]، وقال:(امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ)[يوسف: ٣٠]، أي: تصرفه عن رأيه، وعلى ذلك:(وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ)[يوسف: ٣٢]، (قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ)[يوسف: ٦١]".
قوله:(خادعته عن نفسه؛ أي: فعلت ما يفعل المخادع لصاحبه)، قال صاحب "الفرائد": مراده: تضمين "راودت" معنى "خادعت"، فعلى ما ذكر "عن" متعلقة بـ "راودت"، لأن في المخادعة معنى التبعيد، وهو متعد بـ "عن"، كأنه قيل: بعدته عن نفسه، أي: من حفظ نفسه.
قلت: ليس في كلام المصنف ما يشعر بالتضمين، لأن التضمين هو أن يضمن فعل معنى فعل، ويعدى تعديته مع إرادة معناهما، فلابد من ذكرهما في التفسير معاً، قال المصنف في الكهف: "الغرض في هذا الأسلوب إعطاء مجموع معنيين، وذلك أقوى من إعطاء معنى واحد".
وأما التعدية فإن "خدع" ورد في "الأساس" على استعمالات شتى، وليس فيها تعديته