للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحذف الجار وأوصل الفعل (فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) أي: ضلوا عن طريق الحق، ووقفوا دونه بمراحل.

فإن قلت: فما معنى وصف الضلال بالبعد؟ قلت: هو من الإسناد المجازي، والبعد في الحقيقة للضالّ، لأنه هو الذي يتباعد عن الطريق، فوصف به فعله، كما تقول: جدّ جدّه. ويجوز أن يراد: في ضلال ذي بعدٍ، أو: فيه بعدٌ، لأنّ الضالّ قد يضلّ عن الطريق مكاناً قريباً وبعيداً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (في ضلال ذي بعد، أو: فيه بعد)، قال صاحب "الفرائد": فعلى هذا "البعد" صفة للمكان، لا صفة للضلال. وقلت: هذا حق، وأما تحرير هذا المقام فأن يقال: إن أصل الكلام أنهم ضلوا عن طريق الحق ضلالاً أي ضلال، فاستعير له البعد، وقيل: بعدوا فيه، فالبعد من صفتهم، فوصف بالضلال الذي هو فعلهم وملتبس بهم، نحو: طريق سائر، وهو المراد من قوله: "فوصف به فعله"، أو أن الضلال كأنه مكان واسع ذو أطراف ومسافات، وهو من الكناية المطلوب بها تخصيص الصفة بالموصوف، لأن القرب والبعد مما يضاف إلى المكان، فنبه به أن محل الضلال محل ذو بعد، والضلال معنى لابد له أن يقوم بذات يكون هذا المحل مكانه ومستقره، قال:

إن السماحة والمروءة والندى … في قبة ضربت على ابن الحشرج

وأما قوله: "أو: فيه بعد": فهو تمثيل، كأنه مثل طريق مستقيم، وصور أن العدول عن الجادة يمنة ويسرة ضلالة، وحينئذ تتفاوت الضلالات بحسب المعاصي والبدع والكفر، وإلى التمثيل الإشارة بقوله: "لأن الضال قد يضل عن الطريق مكاناً قريباً وبعيداً".

<<  <  ج: ص:  >  >>